اليوم السابع
عبد الرحمن البيلى
عندما يحاصرنا أساتذة علم التفتيح والفهلوة
من الطبيعى حين يُدار حوار أو نقاش حول مسألة تتعلق بالطب وبيننا طبيب، أن يتحدث الطبيب ويجيب على جميع التساؤلات والشكوك التى تحوم حول هذه المسألة، وعندما نتحدث عن مسألة تتعلق بالهندسة وبيننا مهندس، فلابد أن يجيب المهندس على جميع التساؤلات والشكوك التى تحوم حول هذه المسألة، وعلى نفس المنوال عندما نتحدث عن مسألة تتعلق بالقانون وبيننا قاضى، سيجيب هذا القاضى على جميع التساؤلات والشكوك التى تحوم حول هذه المسألة...الخ.



ولكن من العجيب والغريب أن تجد شخصا واحدا يجيب على جميع الأسئلة التى تتعلق بالعلوم الكونية كلها، ويبعثر الفتاوى يميناً ويساراً، مستبدلاً علوم الحياة، بعِلم التفتيح والفهلوة . عِلم التفتيح الذى انتشر فى شوارع مصر فى الآونة الأخيرة، وأطاح بكل العلوم والدراسات والنظريات العلمية الموجودة على وجه الأرض، وأٌنشئت المجالس والمقاهى والمصاطب التى تُدِرس وتُعِلم التفتيح والفهلوة، وانضم اليها الكثير ممن يعتقدون أنهم أحفاد سيدنا الخصر عليه السلام، وأصبحت كلمة لا أعلم بالنسبة لهم جريمة يعاقب عليها قانون الحوار المجتمعى، فإذا كنت شخصا سيئ الحظ، أو أصابتك دعوة مظلوم وجلست بجانب أحد علماء التفتيح فى أى مكان، ستجده يستخدم ديباجات باتت معروفة كمقدمات لما سيأتى بعدها، فأصبح من المتوقع أنه متى بدأ باستخدام عبارة (مع احترامى)، ستكون الجملة التى تليها مليئة بالإهانة والتصغير والتجريح، أو متى بدأ باستخدام عبارة (دعنى أشرح لك حقيقة الموضوع)، سيكون من المؤكد أن تأتى بعدها موجة هائلة من الجمل التعظيمية، والتفخيمية للذات، ناهيك عن الفتاوى الدينية والسياسية والطبية .... الخ، التى ستصدر منه محاولاً التأكيد على صحتها وكأنه المصدر الوحيد لكل علوم الأرض، بل وأحياناً يتجاوز الأمر العلوم الأرضية ويصل إلى عنان السماء، وعلوم الفضاء والكواكب والمجرات.



كل ذلك جعلنى أراجع الصورة العامة للمشهد الإعلامى فى مصر بين العِلم والتفتيح، وشتان الفارق بينهما، ورأيت أن الضحية الأولى والأكبر دائماً هى الحقيقة، فالعالِم يبنى حجته بالأدلة والبراهين والأبحاث الموثقة، وبالتالى يصل إلى استنتاج واضح المعالم لا جدال فيه، بينما المفتح والفهلوى يبنى حجته على أساس تفتيحى واضح وصريح، وهناك مقطع فى إحدى أغنيات المطرب الشعبى (أحمد عدوية) يوجز المشهد بشكل دقيق حينما يقول ( لو الباب يخبط نعرف بره مين) . هذا للأسف ما يحكيه الشارع المصرى، ولكن المستقبل لا يُصنع بالأكاذيب والفهلوة والتفتيح، وعودة الروح لمصر لن تكون إلا بعودة العلم الصحيح والقيم والمُثل والمبادئ .. إلى المنابع النورانية لهذه الأرض، أرض الأنبياء .. وبغير ذلك لن يقوم لنا تاريخ ولن يرتفع لنا صوت.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف