الوطن
حافظ أبو سعدة
الحماية من الإرهاب فى يوم حقوق الإنسان
فى اليوم التالى لذكرى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان تنفذ عملية إرهابية داخل الكنيسة البطرسية الملاصقة للكاتدرائية المقر البابوى للكنيسة الأرثوذكسية المصرية، أدت إلى تفجر الكنيسة وتهدم سقفها ومقتنياتها التى تعد أثرية، لكن الأهم أن هذا التفجير استهدف المصريين الأقباط أثناء القداس، الأمر الذى أدى إلى استشهاد 24 من النساء والرجال، وأصيب حوالى 49، حسب الإحصائيات الرسمية لوزارة الصحة، ليستمر الدم المصرى ينزف من جراء العمليات الإرهابية التى تستهدف المصريين، ويلاحظ طبعاً استمرار هذه العمليات الموجهة للأقباط لسنوات، فهى اعتداء على منظومة حقوق الإنسان، وبكل تأكيد هذا قتل على الهوية لا يمكن فصله عما شهدته المنطقة من استهداف للمسيحيين. وهذه العملية وغيرها من العمليات الإرهابية هى فى حد ذاتها انتهاك جسيم لحزمة من حقوق الإنسان، هى الحق فى الحياة وحرية الاعتقاد، لكن بالإضافة إلى ذلك تتسم بالعنصرية المقيتة ضد قطاع من السكان وهم الذين ينتمون للديانة المسيحية، لذلك نتفهم الغضب الذى شهدناه أمام الكنيسة من الحشود الكثيرة التى توافدت عقب الإعلان عن هذه العملية، لكن لا يجب أن نسمح للإرهاب بأن يحقق أهدافه فى أن يزرع الشقاق والانقسام على أسس دينية فى مصر.

المهم أيضاً أن نتمسك بحقوق الإنسان كقيم ومبادئ أساسية تلتزم بها الدولة المصرية، سواء فى التأكيد على قيم المواطنة ومكافحة كافة أشكال التمييز بين المواطنين، وتحقيق المساواة أمام القانون، واحترام التنوع والاختلاف واعتباره من أسس المواطنة والثراء لمصر، الذى يعزز قيم التسامح والقبول بالآخر، إننا فى حاجة فى مثل هذه الأوقات إلى التمسك بهذه القيم والمبادئ التى يجب أن تشملها مناهج التعليم والخطاب الدينى والثقافى ومواجهة الأفكار المتطرفة التى تعزز الانقسام والتميز بين المواطنين.

وفى نفس الاتجاه لاحظنا أصواتاً تدعو للتنكر للديمقراطية وحقوق الإنسان فى التعامل مع الإرهابيين، البعض طالب بفرض حالة الطوارئ والبعض طالب بإحالة من يقبض عليه من المتهمين بارتكاب هذه الجرائم إلى المحاكم العسكرية حتى لو كان ذلك مخالفاً للدستور، بل طالبوا بتعديل الدستور للسماح بالإحالة للقضاء العسكرى، أكثر من ذلك استنكر البعض المطالب باحترام حقوق الإنسان وطالب السلطات بأن تضرب بحقوق الإنسان عرض الحائط، فالحقيقة كل هذه المطالبات ينكر أصحابها أنه سبق أن طبقناها ولم تحقق نجاحاً يذكر، فحالة الطوارئ ظلت مطبقة منذ اغتيال الرئيس السابق أنور السادات حتى ثورة يناير، ونذكر جميعاً أن حادث القديسين فى الإسكندرية حدث قبل أيام من ثورة يناير، وفى ظل تطبيق حالة الطوارئ، بل إن أغلب العمليات الإرهابية شهدتها مصر فى الثمانينات والتسعينات كانت وحالة الطوارئ مطبقة فعلاً، حيث تشير إحصائيات المنظمة المصرية لحقوق الإنسان لسقوط أكثر من 1500 شهيد من الجنود والضباط خلال هذه الفترة، وأيضاً عدد من الأقباط والسياح الأجانب، وكانت تجرى المحاكمات استناداً للأمر العسكرى رقم 1 لسنة 81 19 الذى بموجبه تمت إحالة كل قضايا الإرهاب إلى المحاكم العسكرية.

الحقيقة أننا أمام تحد كبير، من جانب نحن فى حاجة إلى أن نحارب الإرهاب وأن نقضى تماماً عليه، وفى ذات الوقت ألا نحيد عن بناء دولة الديمقراطية وسيادة القانون، وأن نعزز احترام حقوق الإنسان، ولنا فى الكثير من الدول الديمقراطية الأسوة الحسنة، ففرنسا لم تتخل عن هذه القيم وهى تحارب الإرهاب وكذلك بريطانيا وإسبانيا وبلجيكا، وكل هذه الدول شهدت أحداثاً إرهابية شبيهة بما حدث عندنا ولم تتخل عن القيم الديمقراطية، هذه العملية تتزامن مع اليوم العالمى لحقوق الإنسان لتهدد الحق فى الحياة ومنظومة حقوق الإنسان.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف