محمد جبريل
ع البحري .. دي ميستورا .. الرجل الشاحب في حلب
من الواضح ان ستيفان دي ميستورا. أخر مبعوث للغرب الاستعماري. يسير في الطريق نفسها التي قطعها مبعوثون آخرون. بداية من "الرجل الشاحب" وهي التسمية التي كان يطلقها الهنود الحمر علي الأوروبي الذي قدم إلي بلادهم بزعم تنقية الأجواء بين القبائل. فعمق الخلافات القائمة. وصنع خلافات لم تكن موجودة. وانتهي الأمر - كما نعلم - بسيادة الرجل الشاحب علي أرض الهنود الحمر. الذين يقتصر دورهم الآن علي السير - أحياناً - في مقدمة المهرجانات الأمريكية. باعتبارهم مادة فولكلورية طريفة!
المخابراتي لورنس قدم وجها معاصراً للرجل الشاحب في الوطن العربي. وأسهم - بالوقيعة والتآمر وإثارة الخلافات والفتن - في صنع الكثير من ملامح الصورة الحالية للأقطار العربية.
المثل الحديث من "الرجل الشاحب" نتعرف إليه في توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق. أوكلت إليه الرباعية الدولية مسئولية تحريك المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية. بما يحقق قيام دولتين. إحداهما دولة فلسطين. وعاصمتها القدس. شريطة ان تحصل تلك الدولة علي المقومات التي تتيح لها البقاء. وحرية اتخاذ القرارات. لكن مهمة بلير طالت بتوالي الأعوام. لم تضف الي الوضع القائم. ولا بدلت منه علي اي نحو. ظلت المفاوضات علي حالها. كأنها صخرة سيزيف. كلما صعدت الي أعلي الجبل. انحدرت إلي أسفل. ليبدأ دفعها من جديد. ذلك هو حرص المفاوض الإسرائيلي في لعبة الوقت. يقضم الأرض قطعة قطعة. بطرد الفلسطينيين وتشريدهم. وبناء مستوطنات وبنايات يخلو معظمها من السكان. والهدف تهويد الأرض. علي حساب إقصاء العرب. أما المفاوض الفلسطيني فهو بلا حيلة. أو ان ذلك ما اطمأن إليه: المفاوضات. ثم المفاوضات. بلا نهاية!. أبدي المسئولون العرب موافقتهم علي قدوم توني بلير الي المنطقة. يحدوهم الأمل في ايقاف لعبة الصخرة العبثية. وتحريك ما طال جموده. لكن الرجل ظل يقتطع من وقته ما يبرر به المكافأة الهائلة التي يتقاضاها لقاء مهمته. بينما المفاوضات لم تجاوز - حتي الآن - ما قبل أوسلو.
دي ميستورا هو الرجل الشاحب الجديد للغرب الاستعماري في وطننا العربي. ظهر في الأزمة السورية كوسيط بين السلطة والفصائل المعارضة. لكن توالي تصريحاته. وتناقضها. كشف عن الدور المشبوه الذ كلفته به قيادات الغرب. أهمل احتماء الفصائل المسلحة بالمدنيين في حلب. وحذر الجيش السوري من شن هجمات علي حلب خشية تدمير المدينة.
ذلك التصريح الذي يقطر إشفاقاً. تحول الي صمت مريب عندما استخدمت فصائل المعارضة غاز الخردل والكلور في عملياتها. ثم أخذ موقفاً مغايراً - نتيجة الحصار الذي واجهته فصائل المعارضة في أحياء حلب - بالتحذير من ان الانتصار الكامل للدولة السورية. بدلاً من إجراء مفاوضات يعقبها اتفاق سلام. سيعرض أوروبا للإرهاب السني. فلما بدت نهاية الوجود المعارض - والإرهابي ممثلا في داعش والنصرة - وشيكة. أظهر أوراقه الخفية وطالب بالسماح بحكم ذاتي للمعارضة في شرق حلب. مقابل رحيل المتطرفين. وكان موقف الحكومة السورية الرافض لهذا الاقتراح. وما تبعه من خطوات عسكرية سريعة. استولي من خلالها الجيش السوري علي معظم مدينة حلب. كان هذا الموقف دافعاً لتصريحات دي ميستورا الداعية إلي إجراء مفاوضات غير مشروطة. وان حاولت قيادات الغرب المحرضة والداعمة مساعدته باتهام النظام بجرائم ضد الإنسانية.
لعلي علي ثقة ان هجوم ررهابي داعش المفاجيء علي تدمر. خطوة يقف وراءها من أرادوا الحفاظ علي تماسك فصائل المعارضة. حتي تظل الحرب الأهلية عنواناً في الأراضي السورية!