المصريون
أ.د. إبراهيم أبو محمد
"يا حلب"..لا تحزني إن طلع النهار بلا ضياء
لا تحزني ياحلب إن طلع النهار بلا ضياء. فمن وسط الحزن المقدس تتولد شرارة الإصرارعلى المقاومة. ومن داخل جحر الضب الذي دخلته الأمة بقيادتها بدأت الانكسارات والهزائم والعار حيث وثقت في الحليف فكانت الخيانة، وأسلمها لعدو لا يعرف غير الإبادة وتسوية المدن والبشر بالتراب والحديد والأسمنت المسلح، وفي همجية تخجل منها كل شياطين الأرض. أمّلَتْ حلب في أمتها وشعوبها فوجدتهم يغطون في نوم عميق، وبحثت وقت الضرورة عن الوطن الكبير فوجدته ركاما يعلوه الخراب ، وما تبقى فيه من مدن وبشر كان مشغولا بأسهم البورصة التي تخفق لها قلوب الأثرياء صعودا وهبوطا، وبالبترول وأسعاره المتدنية، وبقيمة الذهب العربي الذي يأبي إلا أن يسقط استثمارا وثمارا وأنهارا في عواصم من أهانوه، ولا زالوا كذلك يفعلون. من داخل مثل هذه الملهاة والمأساة عودتنا الأمة أن تجدد نفسها وسط نيران الابتلاءات والشدة لتزيح عن كاهلها كل عناصر التعطيل والتطبيل وهياج الحناجر في الأمم المتحدة ومجلس الأمن ولتنفي خبثها الذي أصاب مفاصلها وشل أقدامها وانحرف عن الطريق بخطاها . نعم دخلت الأمة جحر الضب وتخلت عن الوحي الحاضن لكل عزة ولكل شرف ولكل حماية ولكل توحيد وتأييد، فكان لا بد أن تدفع فاتورة الحساب من كرامتها مرارة وعلقما وتربية وتأديبا. نعم نعترف يا حلب أن الأمة غابت عن وحي ربها فغابت عن وعيها ودورها ورسالتها وخلت الساحة من عطائها المتدفق خيرا وبرا ومرحمة ،فاستطال عليها الأقزام تقطيعا وتشويها ، فهي تتألم حتي النخاع وتصرخ حتي الأعماق، لكنه ألم المخاض الذي يسبق الميلاد. خدعوها واستجابوا لهواجس ربيبتهم فأطالوا زمن المظالم والمعاناة ، وأغروها بدخول المعركة بعد حديث تستطيبه الآذان عن الديموقراطية وحقوق الشعوب في التحرر والثورة علي كل طاغية وكل جبار عنيد ، ثم تركوها بغير غطاء جوي يقيها شرور البراميل المتفجرة وغاز السارين والمواد الكيماوية ، وظنوا أن الجو قد خلا لهم بخلو حلب من الرجولة ، ولم يدركوا أن الرجولة في مجموع الأمة بناء داخلي مركوز مع الفطرة ، وأن قبول الدنية عار يرفضه المسلم ، وأن مرارة المحنة لا تزيد أبناء الدين إلا ثباتا وإيمانا وتسليما ، وأن المسلم وهو في أتون المعركة يحتقر الباطل وإن ساد وغلب ، وأن الأمة بمجموعها لن تموت ولكن يموت فيها الصَغار كلما نبت وشب ، ويموت فيها الذل كلما بسقت أغصانه على طمع في الحياة وبقاء مع كأس المذلة. نعم نعترف .... أن الأمة دخلت حجر الضب و مشت خلف أعدائها في سراديبه المظلمة والنتنة وكانت تظن أنها علي شئ حتي ضاعت منها الكرامة، واستبيحت فيها الأرض وتقسمت وتشظت فيها الأوطان، ونعق فيها غراب الطائفية الممقوتة ليحي ثارات ماتت وفات زمانها ، ويستغل غياب وعي أبانئها فينفس حشدا وحقدا يتواصل فيه الجهل والتعصب ، ويمتزج فيه رماد الغل بجمر الكراهية فينفجر نارا حاقدة في وجوه أبرياء من نساء وأطفال لا علاقة لهم بأطماع قادة ماتت ضمائرهم فأضحوا على استعداد لحرق كل شئ في الحياة ليبقوا في أماكنهم. نساء أبرياء وأطفال رضع لا يعرفون معنى خراب القلوب الذي يملأ صدور القادة ومن تبعهم من كل حزب فاسد وميلشيا مستأجرة كأنها حمر مستفرة. يوم سقوط حلب يعني يوم سقوط الأمم المتحدة، يوم سقوط حلب هو يوم العار الذى يجلل هامات مدن الحضارة وعواصم الديموقراطية. هو يوم يزيح الميكياش عن وجه الخداع ويزيل الأصباغ عن هامات بلغت في الخداع القاع وبلغت في السقوط آمادا وأبعادا. يوم سقوط حلب هو يوم يعيد فيه التاريخ دروس البوسنة والهرسك لأن الأمة أصابها داء الزهايمر فنسيت الدرس، ولم تستوعب العبر، ولم تدون أسباب الخيانة وأساليبها، ولم تحص دهاء الساسة وخداعهم وانقلابهم على كل وعد، وانفلاتهم من كل ميثاق شريف. يوم سقوط حلب ستتذكره الاجيال الجديدة، وسيحفر في وجدانها ،وسيدرك الأبناء من الذي خانهم وسلم آباءهم وأمهاتهم لسكين الجزارفي المدينة، وسيأخذون بثأرهم من كل من تواطأ وساهم في سفك دماء آبائهم، وبذلك تكون مواقف الخزي والعار الذي مارسته بعض الدول بالمساهمة مع الجزار في ذبح الضحايا، أو بالتواطؤ والسكوت على الجريمة ستكون هذه المواقف المخزية هي من ساعدت وساهمت في خلق أسوأ البيئات لحضانة الإرهاب الأسود وتفريخه وتهيئة مستنقعات الكراهية لتوالده ونموه وانتشاره كما ينتشر ميكروب الكوليرا في البيئات المهيأة. يوم سقوط حلب هو بداية لتاريخ وليس نهاية، هو بداية لتاريخ جديد من القلق والصراعات الدموية التى لن يجدى معها القمع ولا الإغواء، لأنه بداية لتكوين جيل رآى دماء الأهل والآباء والأمهات والأخوة تجري في شوارع حلب ولم تجد من يقدم لها وسيلة الإغاثة والإنقاذ. إنه بداية لتكوين جيل يلعن الناس والتاريخ والجغرافيا ولا يرى في الآخرين إلا أنيابا ومخالب، وسيطبق قاعدة(من لم يستأسد تأكله الذئاب وتنهشه الكلاب). وقد كان أباؤه مسالمين فتركهم المجتمع الدولي لمحرقة الجزار تشوي جلودهم. بهذه النفسية ستنشأ أجيال لا تعرف غير الغدر والخيانة والعنف الممنهج والإرهاب الدولي المجنون الذي حرق بنيرانه أجساد الأهل والإخوة والجيران. فماذا سيكون رد فعلهم ؟ في يوم سقوط حلب لن نخاطب القادة والزعماء فهم من دخلوا بنا وأجبرونا أن ندخل معهم جحر الضب بظلامه وسواده واعوجاجه ونتن رائحته. لن نخاطب الزعماء والرؤساء لأن بعضهم هم بعض همومنا وكل بلائنا، لكننا سنخاطب جماهير الأمة الذىن غُيِّبوا عن دينهم ومنهجهم فكان الخمول والكسل والجهل والتخلف والسقوط في أسر الأيديولوجيات التى جلبت لنا الخراب والعار وأفقرت الغني وأماتت الفقراء. نخاطب الجماهير التى لا زالت فطرة الإيمان فيها حية نابضة، تتحرك في الاتجاه الصحيح عند المخاطر وترفض وصاية تجار الشعارات وممتهنى الثقافة من نخبة الشر وعصابة بنى علمان وبلطجية بنى ماركس. في يوم سقوط حلب نناشد ضمير البسطاء الذين يشكلون السواد الأعظم في العدد والعدة وفي العطاء والبذل من أجل هذا الدين العظيم نناشد ضمير هؤلاء ونحن على يقين أنه لا يزال على عهده ولاء ووفاء لربهم وإن حاولت شياطين الأيديولوجيات أن تنحرف بفطنتهم وفطرتهم وأن تغتال دينهم، نناشد هؤلاء أن هبوا لأداء واجب الإيمان عليكم فسددوا وقاربوا وسدوا الثغور كل في مكانه ومكانته، وليكن لربك من جهدك النصيب الأوفر خدمة لإخوانك وأداء لأمانتك ورعاية لعهدك ووعدك، ولتصب جهدك في الجمع لا التفريق وفي الوحدة لا التقسيم ، وفي التفوق العلمي والأداء الحضاري المتميز، ولتخلع عنك ثوب الفوضى واللامسؤلية لنتعاون معا حتى نخرج أمتنا من حالة الوحل السياسي والثقافي والاقتصادي التى تخوض فيه، ولنضع أقدامها على طريق الهداية كما كانت فسادت وقادت وانتصرت ومنحت الدنيا أغلى وأعلى ما يمكن أن تمتلكه الدنيا مما طعلت عليه شمس النهار. نخاطب جماهير الأمة ونهيب بهم ألا ييأسوا فهناك في الأفق المظلم يرى كل ذى بصيرة خلف هذا الليل فجرا صادقا قد لا ح زمانه وقربت بشائره، ولنعلم جميعا أن المدن قد تسقط ولا تسقط الإرادة، وأن الجيوش قد تنهزم ولا تنهزم قوة أصحاب الحقيقة في الانتصار لفكرتهم بشتى الأساليب مادام اليقين بها حاضرا ولم يغب، وأن أساليب الهمجية واللا أخلاق قد تمنح الدكتاتور نصرا مؤقتا غير شريف، فيتهيه به فخرا كاذبا، لكنه لا يلبث أن يصحو من سكرته ليجد كل شئ يقاومه بداية من الحجر والشجر وحتى رفات المقابر. فلا تيأسوا أيها الشرفاء ولنتذكر جميعا أنه لن يغلب عسر يسرين، وأن المصل الواقي يتولد من جرثومة المرض ذاته، وإذا كان ولابد فلنتعلم الدرس من أهل حلب أن نعيش معتصمين بحبل عقيدتنا، وأن نموت مبتسمين ليحيا ديننا.. وأمتنا ... ولتحيا كرامتنا.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف