بوابة الشروق
جمال قطب
الإسلام كما أدين به
 42ــ عدالة التشريع ج- النظام الجزائى
ــ1ــ

النظرة الدقيقة لـ«النظام الجزائى» فى الإسلام تكشف عن تميز وتمايز عظيم عن جميع أنظمة الجزاء الأخرى سواء فى الشرائع السماوية أو فى القوانين والمدونات الوضعية (البشرية) على كثرتها وتنوعها، فللنظام الجزائى الإسلامى سمات خاصة يجب ملاحظتها. وأول تلك السمات أن الشرع الإسلامى لا يتربص بالإنسان حتى يرتكب الجريمة فيمسك به ويجازيه، كما تفعل القوانين الأخرى حسب قاعدة: «القانون لا يحمى المغفلين». لكن الإسلام ينشر رحمته بالناس ويشترط: «العلم بالقانون قبل الخضوع له» عملا بقوله تعالى: ((..وَمَا كُنَا مُعَذِبِينَ حَتَى نَبْعَثَ رَسُولا..))، فالشرع الإسلامى يبدأ سريانه بعد تمام الإعلام به. هذه سنة الله ورحمته بخلقه أن يرسل الرسل وينزل الكتب وينشر الشرع قبل خضوع الناس له. ومعنى ذلك واضح تمام الوضوح أن الإسلام لا يعرف الأثر الرجعى للقانون، فلا يجوز لفقيه أو قاضٍ أو هيئة نيابية أن تسن قانونا وتقرر خضوع الناس لأحكامه فى المدة الزمنية السابقة على صدور القانون.

ــ2ــ

والسمة الثانية للنظام الجزائى فى الإسلام أنه ليس مجرد قواعد جزائية تطبق على العاصى والمخالف.. لكن نظام الإسلام يضم مجموعة من العناصر التشريعية تسبق مواجهة القانون للناس. وذلك مثل نظام الحسبة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر». والحسبة وظيفة تربوية تباشر مهمتها فى شتى المعاملات تبين للإنسان ما له وما عليه فى تخصصه وفى معاملاته حرصا على الإتقان والإنجاز كما أهاب الشرع بالفرد والجماعة التحلى بـ«الشورى» بحثا عن التصحيح والتجويد وابتعادا عن الخطأ ومواجهة القانون. كما فتح الإسلام للكافة «الاستفتاء» وتلك وظيفة «وقائية» تساعد على عدم تجاوز الحدود أو التقصير. وأقام الإسلام قاعدة «التحكيم» الذى يقوم على اختيار المتنازعين لحكام يحكمون الأمور حتى يبقى التراضى والالتزام هو المناخ السائد فى المجتمع قبل اللجوء للقانون، فهذه خطوات أربع: 1ــ الحسبة 2ــ الشورى 3ــ الإفتاء 4ــ التحكيم. كل منها كفيل ببيان الشرع وشيوعه من ناحية، كما أنه يحول بين الفرد وبين مواجهة القانون والترض للجزاء.

ــ3ــ

وثالث السمات المميزة للشرع الإسلامى أنه شرع يتبنى «العفو» ويدعو له ويؤكد المثوبة الكبرى من الله لكل من يعفو ويتجاوز عما أصابه من الغير. والعفو سمة واضحة فى جميع جزئيات التشريع حتى يحق لنا أن نسمى النظام الجزائى الإسلامى «نظام العفو» حيث إن الله جل جلاله قد سمى نفسه: العفو/ اللطيف/ الرحيم/ قبل أن يسمى نفسه القوى الجبار المتكبر.

ــ4ــ

والعفو «فضيلة شرعية» تبناها الشرع وحبب فيها وجعل العفو حقا خاصا لكل صاحب حق فله وحده أن يعفو عن الجانى فلا يرفع شكواه إلى القضاء. فإذا تمسك الفرد بحقه ورفع شكواه إلى القضاء فلا يملك القاضى ولا الحاكم ولا أى إنسان آخر العفو عن الجانى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف