الأهرام
أحمد سعيد طنطاوى
سياح اليابان والمقاول الحجرى
للأسف الشديد ما يصلح لسكان مصر وأقاليمها لا يصلح لسكان اليابان، وما يمكن أن نعتاده بأعيننا في طرقنا اليومية لا يمكن أن يمر مرور الكرام أمام السائح الياباني.
فعندما أعلن السفير الياباني في القاهرة تاكهيرو جاكاوا عن بداية تدفق السياح اليابانيين إلى مصر، عبر رحلات شارتر.. استبشرنا خيرًا.. وبعد عدة أيام بدأت بالفعل الأفواج اليابانية تتدفق على محافظات أسوان والأقصر وقنا، خاصة أن السائح الياباني يفضل السياحة في الأماكن الثقافية على الترفيهية.

ولكن ما أن ركبوا السياح اليابانيون القطار واضطروا للنزول في إحدى المحطات وجدوها ممتلئة بالحجارة والرمل والحصى، لم يستطيعوا أن يمروا بحقائبهم وسط تلك المعوقات، فأخرج أحدهم كاميرته الخاصة وصور الوضع ثم نشرها لكل اليابانيين ليعرفوا المعاناة التى يعانونها فى صعيد مصر.

الصورة أخذت تلف وتدور في اليابان، ولا أعرف رد فعلهم عليها، ولكنني أعرف كمية الفهلوة وحجم المآسي التي يرتكبها موظف متقاعس أو مقاول ليست له دراية بالعمل.. فما رآه السائح اليابانى، هو نفسه ما أمر عليه يوميًا وأجده على أرصفة محطات طوخ وقها وقليوب.. حيث تشعر أنك دخلت عصر ما قبل اختراع السكك الحديدية!

فالمقاول المسئول عن تنفيذ وبناء رصيف جديد بكل محطة من المحطات الثلاثة يبنى "بلوكات" الخرسانة الإسمنتية داخل الرصيف نفسه، أى يُحضر الخلطة من رمل وزلط وإسمنت وطوب وقالب معدني داخل المحطة ذاتها.

وكل صباح يَصب عدة بلوكات منفردة وينتظر حتي تجف ثم يقوم بصب بلوكات جديدة ثاني يوم، وتستمر هذه الحكاية يوميًا بلا انقطاع كأننا لم ندخل بعد العصر الحادي والعشرين.. بالإضافة إلى أن الرصيف نفسه محفور بعمق يصل إلى نحو المتر، ويمتلئ بمواد البناء.. مما يعوق حركة المسافرين.


المقاول والمشرف عليه والمسئول الذي وافق على بناء الرصيف بهذا الأسلوب والشكل وهذه الطريقة، يثبتون عمليًا فكرة "السفر عبر الزمن".. فأجساد هؤلاء في القرن الحادي والعشرين وعقولهم مازالت فى القرن التاسع عشر أو ضاربة فى طرقات التاريخ أعمق مما أتخيل.

عدم استخدام مواد بناء جاهزة سلفًا جعل بناء الأرصفة يستغرق نحو العام ولم ينته المقاولون منه حتى الآن.. كما أن بناء الرصيف بهذا الطريقة البدائية يومًا بيوم، وساعة بساعة، وطوبة طوبة.. كأننا لم نفارق بعد طريقة بناء الطوب اللبن فى الريف المصري والتى اندثرت منذ وقت طويل، فلنا أن نتخيل كيف أن الصانع يأخذ عدة أيام حتى ينتهي من صب عدد من قوالب الطوب اللبن التي تكفى لبناء البيت، ثم اختفت هذه المهنة عندما ظهر الطوب الجاهز والذى وفر ملايين الساعات والأموال والمجهود.

إذا كان المسافر الذي يدخل تلك المحطات لا يستطيع السير على قدميه فما بالنا بالسائح الياباني الذي جاء للاستمتاع والمشاهدة ومعه حقيبته أو حقائبه، وما يمكن أن نرضاه نحن من حكومتنا، لا يمكن أن يرضاه ذلك السائح من حكومة من المفروض أن توفر له راحة مضاعفة في كل تحركاته.. لأنه جاء للاستمتاع، لا للشقاء والتعذيب

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف