يسرى الجندى
من صنع من هذا البائس.. مجرماً كارثياً ؟
منذ أيام قليلة. كان لي شرف أن أكون ضمن المكرمين خلال ختام مهرجان (الكرازة المرقسية) وشمل التكريم عددا من ممثلي أجيال المسرحيين الأحياء فيما عدا الكاتب الراحل (ألفريد فرج).. وما أن انقضت أيام علي هذا التكريم حتي تلقيت الصدمة المروعة بكارثة الكنيسة البطرسية الملحقة بالكاتدرائية.. رمز المؤسسةالدينية الوطنية التي كرمت المسرح المصري فكرمتنا مثلما كانت دائما رمزا مضيئا في تاريخ الحركة الوطنية وحتي الآن.. فجيعة موجعة شلت تفكيري وأخرستني.. وإن داهمني هاجس جعلني أتفحص وجوه من حولي.. وذاكرتي تستحضر وجوهاً كانت حولنا مع (الأنبا موسي).. أتري نال هذا الجرم أو اختطف أحداً منهم؟.. أسرعت بالاتصال بالمخرج الزميل إميل جرجس ـ أحد المشرفين علي الحفل ـ فطمأنني.. استعدت قدرتي علي التفكير فدخلت في دوامة من الأسئلة.. بدأ يتبلور خلفها خوف حقيقي علي بلدي، وعلي مستقبل أولادي وأحفادي.
لا أريد أن أخوض في تفاصيل ما حدث، وحتي الإعلان عن اسم (محمود شفيق).. ولا الخوض فيما قيل وما أكثره.. وإن استوقفتني بعض الأقوال مثل ما قاله اللواء »فؤاد علام» حول عدم التركيز علي محور الأمن فقط ـ رغم أهميته ـ وهو رجل أمن مخضرم وحصيف ـ لأن هناك في رأيه محاور أخري تستحق اهتمامنا بنفس القدر إن لم يكن أشدها أهمية وعدّدها كلها مترابطة يكتمل بها درع الحماية الحقيقية للبلد والخروج بها من عنق الزجاجة والانعتاق من قبضة الإرهاب بشكل محكم، وكان من ضمن محاوره القوة الناعمة ـ وسبق حديثي عن أهميتها في أكثر من مقال ـ بخلاف محاور أخري سياسية واقتصادية، أما ما قادني إلي الحديث حاليا حول من صنع من هذا الفتي البائس وأمثاله ليكون مجرماكارثيا.. فكان ما قال به الكاتب والإعلامي (إبراهيم عيسي) من أن دماء شهداء الكنيسة البطرسية في رقابنا جميعا صغيرا وكبيرا.. فقد وجدتني أسأل حينها أيضا: أولا ينسحب هذا أيضا علي ما حل بهذا البائس الذي تحول الي إرهابي من طراز القتلة السفاحين، القتل بالجملة؟
أول وزر نحمله ما تحدثت به وتحدث غيري عن حتمية مواجهة ما يجري في الخطاب الديني السائد. بل جرت مطالبة رئيس الدولة به مرارا حتي وصل الأمر إلي معاتبات علنية للمسئولين عن ذلك وعن استمرار تحاشي المساس بالفكر المغذي للإرهاب وليس مواجهة تتابعه رغم ما ثبت من أن مواجهة الإرهابيين لن تحسم الأمر بغير مواجهة الفكر نفسه.. والذي يوردنا ويورد شعوبا بأكملها موارد الضياع والتهلكة.. بل إن اختراق الفكر السلفي للبرلمان يدعم الإرهاب أيضا.. وهم فعلا قد نجحوا في إجهاض ما أثير حول استبعاد الفقرة الخاصة بازدراء الأديان والحبس لمن تُشهر في وجهه، رغم أن من تقدمت بذلك الاستبعاد عالمة كبيرة مستنيرة، اعتمادا علي صحيح الدين واحترامه للعقل، وقس علي ذلك استبعاد أي طرح لحرية الرأي أو الإبداع في أي تشريع يتصل بها.. وانظر للمطالبة أيضا بمحاكمة (نجيب محفوظ) ومدي ما وصلوا إليه.!!
إن الوعي الجمعي الذي يحاولون هم وغيرهم طمسه، مازال يرقد في أعماق الجماعة المصرية كبوصلة تحركه أمام المخاطر المصيرية مقاومة للتدليس والكذب.. وإن كان الحس الديني رغم سماحته يسمح للمتشددين بهامش عريض.. ومهما ألحت الأصوات المقاومة للجمود والتشدد، إلا أن العناصر المتشددة داخل المجلس وخارجه تحقق انتصارات.
وقد ذكرت مرارا وذكر غيري عن فشل التعليم، حيث أري مصدر فشله الأول، ممثلا في منهج التلقين دون إعمال للعقل، وهو نفس نهج المتشددين والمتطرفين والإرهابيين الذي يعادي اعمال الفن ويفرض تلقينا أصم لا يقبل بدور العقل وإعماله، كما يؤكده صحيح الدين.. ولا يختلف هذا عن ذلك التأثير السلبي علي العقل والوجدان بغياب الدور الحقيقي للثقافة والإبداع مما ترك العقل إناء فارغاً لمن يريد أن يملأوه بما يريد وكذا الوجدان.. وخاصة مع تراجع الطبقة الوسطي ودورها في صياغة العقل والوجدان.. نهج التعليم لدينا هو نفس نهج داعش وغيرها من قوي الإرهاب في التلقين وإبطال العقل.
أما الإعلام ـ وخاصة المرئي منه ـ فقد صار الساحة الأولي لدور سلبي فادح هز الثقة في قدرتنا علي التغيير بتمجيده لحكومة ضعيفة وبرلمان في اغلبه تابع لها. خاصة مع غياب أي حياة حزبية.. وبالتالي أي أحزاب حقيقية.. واختفاء الرأي الآخر في ظروف غير غامضة.
أليس هؤلاء جميعا شركاء فيما حل بهذا الضال الذي انخلعت بفعلته قلوب المصريين؟.
أليسوا بحساب المنطق والقانون محرضين علي تلك الفعلة المخيفة التي لم يتسع خياله السقيم وضلالاته لتصور نتائجها التي لا تندمل جراحها؟.
هذا رأي أراه.. ويستوجب النظر فيما يديننا إذا أهملنا في حماية شبابنا من هذا الوباء الذي نساعد علي دعمه دون أن ندري.. وفيما يديننا إن تقاعسنا عن نجدة هذا البلد الكبير إزاء كل ما يتهدده.. أفلا يتفكرون؟!