بسيونى الحلوانى
الاعتراف بالتقصير.. ليس عيباً
لا يختلف اثنان علي أن كل دول العالم تشهد جرائم إرهابية.. لا فرق في ذلك بين دولة متقدمة لديها أساليب حديثة وإمكانات هائلة لمواجهة الجماعات المجرمة. وبين دولة متواضعة الإمكانات والأدوات المادية والفنية لكشف الجريمة.. فنار الإرهاب قد اكتوي بها الجميع.. ولاشك أن الإرهابيين يطورون دائماً من حيلهم الإجرامية ليحققوا أهدافهم وينالوا من فريستهم وقد استطاعوا بهذه الحيل أن ينالوا من دول متقدمة ولم تتمكن أجهزتها الأمنية من كشف جرائمها قبل وقوعها.. لكن القراءة الموضوعية لنوعية الجرائم الإرهابية التي شهدتها مصر خلال العامين الماضيين تفرض علينا المزيد من التأمل لمواجهة بعض الخلل والعديد من الثغرات المتكررة التي ينفذ من خلالها المجرمون ليحققوا أهدافهم الإجرامية.. وتلك الثغرات تحتاج منا ــ أجهزة أمنية ومواطنين ــ المزيد من اليقظة والانتباه. فمواجهة الإرهاب ليست مهمة الدولة بأجهزتها الأمنية والاستخباراتية فقط.. بل هي مهمة المجتمع كله بكل أفراده ومؤسساته الأمنية وغير الأمنية.
****
في يوم الجمعة الذي وقعت فيه الجريمة الإرهابية في شارع الهرم وراح ضحيتها ستة من رجال الشرطة الشباب تصادف أن تجولت بسيارتي في عدد من شوارع الجيزة والهرم لقضاء بعض المصالح ومررت من أمام أقسام الشرطة ومنشآت حيوية هي بالتأكيد مستهدفة من جماعات الإرهاب التي تحاول من وقت لآخر عمل فرقعات هنا وهناك للإضرار بمصر اقتصادياً وتشويه سمعتها الأمنية.. وللأسف الشديد لم أشاهد أي تغيير في الإجراءات والترتيبات الأمنية الضرورية حتي في محيط أقسام الشرطة.. كما شاهدت استهانة كثير من المواطنين بالإجراءات الأمنية الضرورية في مثل هذه الحالات.
وفي يوم تفجير الكنيسة البطرسية تصادف دخولي بسيارتي في ساحة مول تجاري كبير في منطقة أكتوبر يرتاده آلاف المواطنين يومياً وعلي بوابة الدخول اكتفي موظف الأمن بفتح شنطة السيارة وغلقها دون حتي فحص ما بها من شنط وأكياس تكتظ بها. كما لم يهتم بفحص ما بداخل السيارة من أمتعة وسمح لي بالدخول مما آثار دهشتي وسألته: هل فحصت السيارة وتأكدت أنها لا تحمل أي متفجرات؟ وهل ما فعلته يكفي لفحص سيارة مكتظة بالأمتعة والشنط التي يمكن أن يكون بداخلها عبوات ناسفة مدمرة وليست عبوة واحدة؟
ما يدعو للدهشة والاستياء أن الإهمال الأمني أصبح ظاهرة عامة في مجتمع مستهدف من جماعات إرهابية لا ترحم. فهناك منشآت مهمة تكلفت مئات الملايين وربما المليارات لم يتم تركيب كاميرات مراقبة لها حتي الآن. وقد كشفت جرائم مفجعة حدثت في أماكن كثيرة عن تعطل كاميرات المراقبة التي أصبحت في مواقع عديدة وفي أماكن مهمة مجرد "ديكورات" لا فائدة منها.
****
ليست لدينا ثقافة أمنية كافية علي المستوي الشعبي.. لابد أن نعترف بهذا إذا كنا جادين في مواجهة عصابات الإجرام التي ألحقت بمصر الكثير من الخسائر والكوارث التي ندفع نحن ــ الشعب ــ ثمناً باهظاً لها.. لدينا علي المستوي الأمني العام بعض الثغرات التي ينفذ منها الإرهابيون ويوظفونها دائماً للقيام بعمليات إرهابية متكررة بنفس الأسلوب.. هذه حقيقة لا ينبغي أن نخجل منها. فالأجهزة الأمنية ليست معصومة من الخطأ وكل الأجهزة الأمنية في العالم المتقدم لديها ثغرات وإلا ما وقعت جرائم إرهابية في دول كبري ومتقدمة مثل أمريكا وفرنسا وألمانيا وروسيا وغيرها.. لذلك علينا أن نتعامل مع الثغرات الأمنية المتكررة بمنطق آخر. وليس مهما الاعتراف بها أمام أجهزة الإعلام التي تبحث عن الثغرات لتضخيمها وصنع قصص بطولية علي حساب سمعة الوطن ومصالحه.. لكن المهم أن تكون هناك مراجعة وقراءة دقيقة لتفاصيل كل حادث إرهابي لتفادي ما وقع من ثغرات ساعدت عليه.
****
بالتأكيد نحن شعب طيب متسامح وأحياناً متواكل.. لكن جماعات الإرهاب التي تستهدفنا جميعا ــ دولة وشعباً ــ تستغل كل ذلك وليس لدي عناصرها رحمة ولا إنسانية وإلا ما قتلوا نساء وأطفالاً داخل كنيسة وهم يؤدون طقوسهم التعبدية. ولا علاقة لهم بما تتخذه الدولة من إجراءات لملاحقة الإرهابيين وردعهم.. بالتأكيد نحن في حاجة إلي وعي أمني أكثر. وعلينا أن نضاعف من حالة الشك والريبة في كل ما يستدعي ذلك مما نشاهده يومياً في الشوارع والميادين وأمام المنشآت العامة والخاصة.. بالتأكيد.. التواكل والسلبية في التعامل مع الإجراءات والاحترازات الأمنية سيلحق بنا المزيد من الخسائر. فجماعات الإرهاب تستهدفنا وإجراءات الدولة من خلال أجهزتها الأمنية لا تكفي وحدها لحماية المجتمع من حيل وأساليب هؤلاء المجرمين الذين يستغلون طيبتنا وتسامحنا وتواكلنا وإهمالنا لكي ينفذوا إلينا ويحققوا أهدافهم الإجرامية.. علينا أن نواجه كل صور الإهمال والتسيب في التعامل مع جماعات الإرهاب. وأن نلتزم بالإجراءات الأمنية المتبعة في كل مكان نذهب إليه ونتخلي عن مظاهر التمرد والاحتجاج علي كل ما نراه من إجراءات واحترازات أمنية.. ليس علي رأس أحد منا ريشة في التعامل مع إجراء أمني يتخذ هنا أو هناك وعلي الذين يحاولون الحصول علي استثناءات ومعاملة خاصة أن يتخلوا عن أنانيتهم وأن يدركوا أنهم ناس مثل باقي الناس ويجب أن يخضعوا لكل الإجراءات الأمنية المتبعة حماية لهم وللآخرين.. علينا أن نتذكر قصة "قاضي الحشيش" الذي حاول أن يستغل المعاملة الخاصة للقضاة في ارتكاب جريمة نكراء وكشف جريمته رجال الأمن الذين تعاملوا معه بشجاعة. وتعامل القضاة معها بكل نزاهة.
مصر في حاجة إلي عيوننا جميعاً لكي تسهر علي أمنها وتراقب كل المتربصين بها.. والوعي الجماهيري بضرورة ملاحقة الإرهابيين في كل مكان يستطيع أن ينقذ المجمع من جرائم كثيرة.