ما أن وقع الحادث الإرهابي الأليم في الكنيسة البطرسية بالعباسية تحول الحديث عن الإرهاب إلي تكثيف المطالبات القديمة بتغيير المناهج الدينية حتي طالب أحد نواب البرلمان بإلغاء حصة الدين بالمدارس كما ارتفع سقف الهجوم علي كتب التراث فانطلقت مجموعات علي شبكة التواصل الاجتماعي والفضائيات تنشر نصوص فتاوي متشددة من بطون كتب لا يقرؤها إلا المتخصصون في دراساتهم العليا في إطار قراءاتهم التاريخية لتطوير الرأي في قضية ما.. وألمح آخرون إلي التعليم الديني باعتباره وراء كل كارثة.
هذا الذي حدث وكأنه الأزمة الحقيقية وجوهر المشكلة جعلني أتساءل: هل الإرهاب الذي نعيشه ويعيشه العالم بسبب كتب التراث فعلا أم بسبب بعض الفتاوي التي قيلت في زمن له ظروفه بمعطيات معينة ورفضها حتي أبناء هذه العصور.
وإذا أردت أن أنظر إلي المسألة من جانب مختلف فأتساءل: لماذا لم يتوقف الإرهاب والعنف من خلال الآراء والنصوص القرآنية الصريحة والأحاديث النبوية الكثيرة والمتنوعة والتي تحرم قتل النفس أي نفس وتعتبرها كقتل الناس جميعاً وتتحدث عن حماية النفس باعتبارها حماية لأنفس جميع البشر وتحذر من ترهيب الآخرين حتي بالنظر الغاضب أو المتوعد.
وبنظرة أخري للقضية يكون السؤال: بم نفسر توقف الإرهاب واختفاءه في أزمنة معينة فلا نجد اعتداءات إرهابية علي حد سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين ولا اعتداء علي مساجد أو كنائس رغم وجود الفتاوي المتشددة في ذات الكتب التراثية ووجود التراث ووجود الدارسين له؟
وبكلام آخر: هل يكثر السلوك الإرهابي في الأمم المتدينة أو المثقفة ثقافة دينية عميقة أم يكون في الأمم التي بلا ثقافة دينية؟
إذا أردنا أن نجعل داعشاً نموذجاً فإننا نجد - كما تفيد دراسات دولية متخصصة - أن معظم المنضمين إليها بلا ثقافات دينية عميقة فإما أنهم من المسلمين الأوروبيين الجدد أو من دول تم تغييب الثقافة الدينية فيها تماماً لأزمنة طويلة ومنع فيها الصيام والزكاة والصلاة فلما خرجت من عقالها اندفع بعض شبابها إلي داعش فإذا تتبعنا رسائل داعش الاعلامية والتي تجند فيها الشباب نجدها لا تحدثهم عن فتاوي بقدر ما تحدثهم عن رفع الظلم عن المسلمين وإقامة الخلافة وإعادة العزة.. كذلك نجد المنضمين إليها أيضاً من أولئك السنة الذين يعانون اضطهادا في العراق أو الذين يرون فيهم مقاومة للوجود الامريكاني هناك.
إذن نحن نجدف بعيداً عن النهر. ونقرع طبول الحرب في أرض السلام ونجري وراء اللص في الاتجاه المعاكس للوجهة التي جري فيها؟
إننا نختصر الاشياء الكبيرة في أمور شديدة البساطة لا تناسب ضخامة الحدث وبالتالي فنحن نعالج أمراضا خطرة بعلاجات ليست لها. ونواجه أدواء ليست موجودة في الجسد المريض.
الإرهاب لايصنعه الدين أبداً - إن استغله في أوساط الجهلاء - والتاريخ يؤكد أنه دائما ما يكون عملا عالميا تتولاه أجهزة كبيرة لها أهدافها التي لا علاقة لها بالدين ولا يشغلها الدين كما أن المشاركين في مثل هذه العمليات تحركهم أمور أخري كثيرة دوافعها الكبري ليست مثل هذه الفتاوي المتشددة التي تتضاءل أمام نصوص شديدة الوضوح.
كما أن أولئك الجهلة الغاضبين الذين قد يرتكبون حماقات يتصورون أنها خدمة للدين عادة ماتكون بأسلوب بدائي لا يصمد أمام الالة الأمنية اليقظة بل إنني لا أجافي الحقيقة إذا قلت إن إقحام الحديث عن التراث في مثل هذه الموضوعات يضر من حيث يتصور البعض أنه يفيد فقد يؤجج شعورا لدي البعض بأن هناك من يتربص بالدين ويريد به شراً كما أنه وهو الأهم يدفع الناس بعيدا عن المشكلة ويوجههم اتجاها مخالفا لما يجب أن يفكروا فيه.