المجتمع المصري ينصح بالأعمال الانسانية الحسنة. ويفيض احتراما وبهجة. وودادا. وتسامحا. كما يوجد فيه نوازع الشر. واتجاهات الجهل. والغباء. شأنه في ذبلك شأن كل المجتمعات الانسانية في العالم المتحضر والمتخلف معا.. انه الانسان دائما الذي هداه الله سبحانه وتعالي النجدين.. إرادة الخير. وإرادة الشر. والناجح هو الذي يبحث عن الخير والطريق اليه فيسير مختارا. والراسب هو من يعمي عن دروب الاستقامة والرقي. ويعمي قلبه الا عن الطريق المسدود.
كانت نماذج الجريمة في أسيوط غريبة أشد الغرابة لم تعهدها في كثير من قضايا الوجه البحري.
رجلان صديقان تعاتبا. أحدهما مدين للآخر بمبلغ زهيد لو استضاف أحدهما الآخر لأنفق في ضيافته أضعاف مبلغ الدين. الا ان الجهل والغباء ران علي قلبيهما. وسيطر علي أحدهما أكثر من الآخر.
طالب الدائن مدينه بسداد مبلغ ثلاثة جنيهات. فغضب المدين وأصر علي أن الدين جنيهان فقط. وثبت كل منهما علي موقفه. تطور الموقف بينهما الي عراك. ثم الي اشتباك بالأيدي.. تدخل الحضور للفصل بينهما. الا ان الشر كان أقوي. والشيطان كان أسرع الي أحدهما من الآخر.
كانا بالقرب من محل قصاب "جزار" جري الدائن اليه وسحب سكينا كبيرة ليغز بها في بطن المدين الذي أراد أن يضيع علي الجاني الدائن مبلغ جنيه واحد بالكمال والتمام!!!
وهو ما لا يليق به أن يترك حقه!!! هكذا تصور الرجل الغبي. فلا يكون جزاء المدين سوي أن يلقي حتفه بطعنة قاتلة في بطنع لتخرج أمعاؤه. ويتدفق دمه علي ملابس الجاني ووجهه. وقد أسلم روحه الي بارئه تشكو غباء الانسان وظلمه. وضياع العقل الذي كرمه الله به.
نموذج غريب. أشعل في أعماقي أفكارا كثيرة وأسئلة متعددة.. كيف الخروج من هذا النفق المظلم والمتدني الذي لا يليق بالانسان؟ أهو الجهل أو الفقر. أو هو الوعي المعدوم أم هو البعد عن الله فصدأ القلب. وعمي الفكر عن طريق الخير؟؟!! أظن بل أعتقد ان ذلك كله هو ما أذهب العقل. وضيع الخلق.
ان مدينة أسيوط من المدن التي حباها الله بجامعة تحمل اسمها تضم عددا من الكليات يتخرج فيها آلاف الخريجين كل عام وبها حركة تجارية ملحوظة. ومحلات يملكها ـ لاشك ـ تجار لهم من الخبرة والعقل والنشاط مما يجعلنا نعتقد في الامكانات العقلية تؤلهم للنجاح في عملهم.
أعجب كيف لا يشارك أساتذة الجامعة بكلياتها المتنوعة في النهضة الخلقية. وتحسين العادات والتقاليد. واستنارة العقول مما يدعم بناء الانسان السوي. لا في أسيوط وحدها وانما في مصر المحروسة كلها.
لا يمكن أن تكون الأحكام الرادعة. والأمن المتيقظ وحدهما هما السبيل الي تنوير العقول. ودفع الناس الي التسامح والخلق الحسن. انما العلم. والتنمية الاقتصادية. واشاعة الخير والرقي بين الناس هو الضمان الوحيد لتغيير السلوكيات العرجاء.
وفي المحكمة حضر المتهم ضامر الجسم قصير القامة يحمل بين كتفيه رأسا أثقل وأضخم من جسمه وتسأله المحكمة عن التهمة المسندة اليه. فيقر بها مبررا سلوكه بأن المجني عليه أكل حقه!!! ومهما كان الجزاء الذي ناله المتهم فقد مات المجني عليه.