عبد الرحمن فهمى
الداخل مفقود .... والخارج مولود !!!
نحن خير من يتحمس ويكون رد فعلنا سريعاً وقاسياً.... وهذا ما يحدث الآن بمناسبة ما حدث في الكنيسة البطرسية بالعباسية.... فعلاً لابد من القصاص السريع القاسي.... كما سبق أن كتبت هنا خلال اليومين الماضيين.... ولابد من تغيير بعض القوانين لسرعة الاجراءات.... بدرجة أن مجلس النواب اعطي مهلة للحكومة 30 "ثلاثون يوماً" لا أكثر لتقديم قانون جديد للاجراءات الجنائية.... وهذا شيء رائع.... وأفلحوا إن صدقوا.... ولكن أريد خلال هذه "الهوجة" وهذا الحماس تعديل كل القوانين.... الجنائية والمدنية أيضاً.... فالبطء في القضايا المدنية أشد ظلماً من القضايا الجنائية.... إذا كان الحكم النهائي علي المجرم حبارة صدر بعد ثلاث سنوات.... ومن قبله الحكم النهائي في قضية عبدالمنعم الملاح رئيس نادي الشمس الأسبق قد صدر بعد ثماني سنوات.... فهناك قضايا مدنية لا حد لها صدر فيها الحكم النهائي بعد أكثر من ربع قرن!!!! هذا يحدث بالفعل في المحاكم المدنية.... يقولون "لا يضيع حق وراءه مطالب".... ولكن المطالب عمره محدود..... يموت بعد 15 أو 20 سنة من رفعه القضية.... والأبناء والأحفاد لا يعلمون شيئاً عن القضية..... بل قد لا يعلمون بأن لهم قضايا وحقوقاً وميراثاً وأموالاً فيضيع هذا كله لأن لا أحد يعمل أي شيء!!!!.... حرام أم حلال!!!! طريق القضايا المدنية طويل جداً.... أطول من أعمار الناس.... فهذه القضايا هي الأحق بإعادة النظر في القوانين الخاصة بها....
* * * *
اقترح علي المسئولين عن القضايا الجنائية أن يأخذوا بالقانون العسكري.... المتهم المعترف بجريمته أو تم القبض عليه بتلبس لا دفاع له ويصدر الحكم ضده فوراً في نفس الجلسة ويتم التنفيذ بعد التصديق علي الحكم في ظرف يوم أو يومين.... يتلو رئيس المحكمة العسكرية التهمة ويقول للمتهم: مذنب أم غير مذنب.... إذا قال المتهم مذنب يسقط دفاعه ويصدرعليه الحكم في نفس الجلسة.... ولكن حبارة يقتل 29 شاباً كالورد بأبشع طريقة بل يمثل الجريمة أمام المحكمة.... يعترف بالصوت والصورة ويظل ثلاث سنوات إلي أن يصدر الحكم.... شيء غير معقول قط.... ولا يقره أي شرع.... هذا ما يجب اضافته لقانون الاجراءات الجنائية الجديد في ظل هذا الإرهاب الذي لا يعرف ديناً ولا عرفاً ولا قانوناً ولا رحمة ولا ضميراً ولا يمت للإنسانية بصلة.
* * * *
أما طريق المحاكم المدنية فهو ملئ "بالحواري الجانبية" التي يستغرق الانتهاء منها سنوات لا تقل عن ربع قرن!!!!.... "حارة" الخبراء وحدها تستغرق سنوات لا يعلمها إلا الله.....
ذهبت ذات يوم إلي مبني الإدارة العامة في آخر العباسية وفي آخر دور كانت المديرة.... اعطيتها ورقة فيها رقم القضية وموعد ارسالها لهم واسم صاحب القضية ارسلتني لفتاة شابة رقيقة مجهدة تؤدي عملها بدقة وبالدور.... فتحت دولاباً بجوارها ملئ بالقضايا التي في انتظارها!!!! اتضح أن أمامي عامين بالتفاؤل أو قل بالتقريب رغم العام الذي مضي.. قلت لها: "يا تري مين يعيش".... قالت: كل الناس تقول لي هذه العبارة ولكن كما تري الدولاب ملئ!!!! كتبت هذا في نفس هذا المكان.... أيامها اقتنع المستشار الزند وكان هناك أكثر من حل وفكرة..... ولكن لا شيء تم.... الخبراء معذورون ونحن أيضاً.... وهناك أكثر من حل!!! ولكن لا أحد يعمل لوجه الله والوطن....
في مدخل المحكمة العليا في باريس تمثال برونز لرجل يكاد يقع علي الأرض دموع علي الوجه البائس ملابسه ممزقة.... مكتوب تحت التمثال "هذا الذي كسب القضية"!!!! LE GAGNANT!!!!
.... المثال العربي القديم لم يكذب: الداخل مفقود والخارج مولود....