المصريون
جمال سلطان
حلب الشهباء شاهدة على جرائم بشار الأسد
تعلقت مشاعر العالم أمس بالصور والمشاهد الحية التي تناقلتها وكالات الأنباء العالمية عن "التغريبة" السورية الجديدة ، آلاف المواطنين السوريين نساء وعجائز ومرضى ومدنيين يحملون أطفالهم وحقائبهم ويمضون في طرقات خربة وبين بنايات مهدمة من آثار القصف الوحشي لقوات النظام السوري والطيران الروسي ، يتجهون إلى حافلات تقلهم إلى خارج مدينة حلب ، إلى تركيا أو إلى مناطق سيطرة المعارضة ، يودعون مدينتهم ومهد صباهم وتاريخ أجدادهم ، آلاف المواطنين يهربون من المدينة بعد تسليمها لقوات النظام ، في شهادة جديدة على أن ملايين السوريين ينظرون إلى قوات بشار الأسد على أنها قوات احتلال ، إضافة إلى قوات الاحتلال الأخرى من الجيش الإيراني ـ الحرس الثوري ـ وقوات ميليشيات حزب الله اللبناني وميلشيات عصائب الحق والنجباء الشيعية العراقية وميليشيات الهزارة الشيعة الأفغان ، وكلها قوات تحركها أحقاد طائفية ودموية تستبيح الشعب السوري وتعيث في بلاده فسادا وإفسادا . التغريبة السورية في مشاهدها ذكرت العرب بالتغريبة الفلسطينية ، المشاهد الحية نقلت صورة طبق الأصل مما كانت تفعله ميليشيات الهاجاناه الصهيونية مع الفلسطينيين لترحيلهم من ديارهم ، ورصدت الكاميرات عبارات كتبها المهجرون يودعون مدينتهم ويعدونها بالعودة ويمنون أنفسهم بعبق ترابها من جديد بعد أن تزول غمة الطاغية الدموي بشار الأسد ونظامه الفاسد الذي حول البلاد إلى أرض مستباحة لمختلف قوى الاحتلال . تبختر بشار الأسد أمام الكاميرات وهو في أبهى زينته لكي يزف إليهم بشرى تحرير مدينة حلب ، بدون أن يعتريه أي خجل من الاتهامات المتوالية من الأمم المتحدة وعواصم العالم المختلفة تندد بوحشيته ومذابحه ضد المدنيين لإجبارهم على الرحيل لتفريغ المدن وإعادة حشوها على أسس طائفية جديدة ، لم يخجل أن يدعي النصر على مدينة سورية ، لم يخجل وهو يتحدث عن أول نصر حققه جيشه أو جيش أبيه منذ خمسين عاما ، منذ هزيمة يونيه 67 أمام الجيش "الإسرائيلي" ، أول نصر في تاريخ عرشه وعرش أبيه هو على شعبه ومدينة حلب الشهباء ، ويهذي من فرط النشوة فيصور نصره المخجل بأنه أشبه بميلاد المسيح عليه السلام !! ، ورغم أنه لا فضل له في الدخول إلى حلب أبدا ، ودوره كان هامشيا ، لأنه وجيشه هزما بالفعل أمام تقدم الثوار في العام 2013 ، وأصبح شمال سوريا في قبضة الثوار ووقفوا على أعتاب حصون طائفته في اللاذقية ودخلوا أحياء من العاصمة دمشق نفسها وتمددوا في الجنوب وحرروا معظمه وخرج شرق سوريا بالكامل من سيطرته ، فلما أوشك على السقوط استغاث بميليشيات حزب الله اللبناني ، فلما عجزت استغاث بالجيش الإيراني ـ الحرس الثوري ـ فلما فشل استغاث بالجيش الروسي واستنجد في خطاب شهير متعللا بأن جيشه يتآكل ويعجز عن التجنيد ، فدخل الروس بأحدث طائراتهم وصورايخهم ووحشيتهم المعهودة فغيروا المعادلات على الأرض ، ثم مكنوه من دخول حلب أخيرا بعد استعصائها عليه أربع سنوات ، فالاحتفال هو لبوتين ، الذي نفذ أسلوبه المعتاد بتسوية المدن بالتراب كما فعل في غروزني عاصمة الشيشان ، لقمع الثورة ضده ، لا يفرق بين شجر وحجر وإنسان وحيوان وطفل وامرأة ومسجد ومعبد ومقاتل ومسالم ، وهكذا فعل في حلب التي تبدو صورها المتناقلة مرعبة من فرط الدمار والخراب . ثمة إجماع بين الخبراء والمحللين الدوليين على أن بشار لا يمكنه الانتصار في تلك الحرب المجنونة على شعبه ، وأن كل ما يملكه هو تحسين موقفه التفاوضي فقط ، وهناك شبه إجماع على أنه خارج أي حسابات مستقبلية لقيادة سوريا ، حتى الروس مقتنعون بذلك كما تسرب من مصادر غربية متعددة ، ولكنهم يريدون الانتهاء من قمع الثورة أولا ، لضمان أن لا يسطو عليها الجماعات المتشددة الموجودة هناك ، ثم يتصرفون في وضع بشار ، وهناك قوى إقليمية ودولية لن تسمح لإيران باحتلال سوريا أو تحويلها إلى محافظة تابعة للولي الفقيه ، وهناك قناعات متزايدة في العالم اليوم تفضح لعبة بشار عندما استقدمت استخباراته لمجموعات سنية متطرفة في العراق ـ تنظيم القاعدة ـ كانت تقاتل الأمريكيين ومنحهم مساحات للعمل ثم أطلقت سراح آلاف منهم من سجونها بعد الثورة ، ثم بعد انقسامهم وتشكيل داعش من أحد الفصيلين انسحب أمامها من أكثر من موقع بسهولة شديدة تاركا لهم مستودعات ذخيرته وسلاحه ، ثم منحهم مدينة الرقة ليعلنوا من خلالها عاصمتهم التي لم يطلق فيها طلقة واحدة ، ثم وقف أمام العالم ليخيره في اللعبة الشهيرة : أنا أو داعش ، فنجح في تشويه صورة الثورة وإخافة عواصم عالمية ، وجعل الثورة كأنها ثورة داعش والقاعدة ، وليست ثورة شباب سوريا الذي غنى للحرية والكرامة وتظاهر سلميا لأشهر طويلة قبل أن تسحقه الدبابات والرصاص الحي ، والذين حاصروا بشار وجيشه بإمكانيات بسيطة حتى أوشكوا على إلحاق الهزيمة به في 2013 ، فظهرت لهم حينها لعبة القاعدة وداعش فخلطت الأوراق وأساءت إلى الوجه الأخلاقي للثورة أمام العالم ، لدرجة أن بعض المثقفين العرب اعتقد أن الثورة في سوريا التي كانت كوادرها من رموز يسارية وليبرالية وإسلامية ووطنية وحقوقية وحتى شيوعية ، هي مجرد عصابات داعش والقاعدة . لا يوجد أدنى شك في أن بشار ونظامه إلى زوال ، ولا يوجد عاقل في العالم كله يرى أن النظام الذي حول بلاده إلى هذا الخراب وقتل نصف مليون مواطن وهجر ثمانية ملايين آخرين وهدم مدنا بما فيها من معالم ومساجد ومدارس ومستشفيات وخدمات يمكنه أن يستمر وتكون له أي شرعية أو أن بقاءه يحقق الاستقرار في سوريا أو المنطقة ، الكل يدرك ذلك ، والمشكلة فقط هي مشكلة الوقت ، واستمرار نزيف الدم للشعب الذي طال ليله ، في ظل تخاذل عالمي بل تواطؤ ، وحسابات إقليمية ودولية معقدة ، كل منها يبحث عن مصالحه في بحر الدم هناك ، وآخر من يفكرون فيه هو الشعب السوري نفسه .

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف