أحمد السرساوى
عزيزي المواطن المصري.. «ياتري انت الكسبان» ؟!
سيدة جميلة وفارعة دخلت علينا الحجرة.. كنا حوالي 15 فردا، وكانت هي من النوع الذي إذا رأيته لابد وأن تبتسم..كنا مجموعة من الصحفيين المصريين بالجرائد القومية والخاصة، منهم رؤساء للتحرير أو نواب لهم، مع بعض الزملاء الإعلاميين من كافة التوجهات.. جاءتنا دعوة لزيارة ألمانيا الاتحادية عام 2013 لدراسة التجارب الغربية في تنظيم الصحافة والاعلام بكل صوره، وبصفة خاصة التجربة الألمانية وكيف حققت التوازن بين حرية الصحفي مقابل مسئوليته تجاه المهنة والقارئ والمجتمع.
وبعد أن ألقت علينا ابتسامة مصحوبة بتحية الصباح..عرّفتنا السيدة بنفسها.. إنها مسئولة شكاوي المواطنين في المجلس الاتحادي للإعلام الذي يضم ممثلين عن 4 نقابات مهنية ألمانية ترتبط بالصحافة والاعلام، إثنان منهم يتعلقان بملاك الصحف والقنوات والإثنان الآخران للمحررين والاعلاميين والعاملين.. وقالت إن للمجلس عدة وظائف مهمة.. لكن أهمها علي الإطلاق بحث شكاوي القراء والمشاهدين من الإنفلات الإعلامي، أي مراقبة مواثيق الشرف الصحفية والإعلامية كما نطلق عليها في مصر.
ذكرتني كلماتها بحكاية رائعة حدثت في الهند رواها لنا أستاذنا الكاتب الكبير الراحل كامل زهيري تقول «هاجم صحفي هندي الهندوس في جريدته وأخذ يعدد المذابح التي شاركوا بها طوال سنوات وكيف أثرت علي السلم الاجتماعي.. فما كان من المحامين المنتمين للطوائف الأخري المتصادمة مع الهندوس، إلا أن أقاموا دعاوي قضائية يتهمون فيها مقالات الصحفي بتهديد السلم الاجتماعي، رغم أنه كان يتصور العكس وأنه يدافع عنهم!!»
وخرج لنا الأستاذ كامل زهيري بالدرس المهم من القصة.. أن مصلحة القارئ هي الأهم وفي المقدمة قبل أي مصالح أطراف أخري كالصحفي أو أصحاب رؤوس الأموال.. تماما كما أكدت لنا المسئولة الألمانية الجميلة.
لذلك كنت من أكثر المستبشرين خيرا بالتشريعات الصحفية والاعلامية الجديدة التي وافق عليها البرلمان أخيرا رغم كل التحفظات التي أبدتها نقابة الصحفيين والنقيب الأستاذ يحيي قلاش، بل وحتي الزميل الأستاذ أسامه هيكل رئيس لجنة رئيس لجنة الثقافة والإعلام والآثار بالبرلمان أعلن أنه غير راض عن تلك التشريعات بنسبة١٠٠٪.
لكن السؤال الأهم هنا.. هل ستصب تلك القوانين بالفعل في صالح المواطن المصري وتنعكس علي أدائنا الصحفي والاعلامي للافضل أم لا؟؟
والاجابة تأتينا من دراسة قام بها فقيه قانوني وسياسي وكاتب كبير بحجم المرحوم د. محمد حلمي مراد قائلا»هناك 3 معايير تضبط هذه العلاقة، أي علاقة الصحافة بالمواطن والسلطة.. المعيارالأول مدي تفهم السلطات لأهمية الصحافة وتقدير دورها (وهو ما يترجمه دستورنا الحالي)، والثاني وضع الضمانات الكفيلة بعدم المساس بالحريات الصحفية لغرس الأمان في نفوس الصحفيين وهم يمارسون دورهم، والثالث هو الاحتكام الي جهة مستقلة عند نشوب خلاف بين أي من الأطراف وهذه الجهة هي القضاء.. بشرط ان تكون الصحافة شعبية (أي لا يسيطر عليها رأس المال) وحرة ومسئولة.
وفي يقيني رغم كل التحفظات وبدون شك نحن ننتقل للأمام مع هذه التشريعات، وتتوافر بها الشروط التي حددها د. مراد، والمؤكد أيضا أننا لن نصل بها للكمال، لكننا سنتحسن وسنقدم خدمة أفضل للوطن والمواطن وهذا هو بيت القصيد.. والمواطن المصري هو الكسبان.