الأهرام
أحمد شوقى
أحزان قبطى مسلم : لا تطفئوا الشمس
كلنا أقباط، منا المسلم ومنا المسيحي. هل هذه حقيقة تاريخية، أم عبارة عاطفية، أم هى تاريخية/ عاطفية فى آن واحد، ولا ضير فى ذلك؟ ألا يفسر ذلك الحزن الجارف، الذى أصابنا جميعا جراء حادث الكنيسة البطرسية الإرهابى المروع، الذى أضاع فرحتنا بالمولد النبوى الشريف وبداية تسابيح كيهك؟ من الطبيعى، تاريخيا وعاطفيا، أن يجمعنا الفرح والحزن. ولكن، من الضرورى لمستقبلنا المشترك أن يجمعنا التحدي.

ومن الضرورى أيضا لمواجهة هذا التحدى ألا يدفعنا الغضب الإنسانى المبرر إلى التحليل الخاطئ غير المبرر، مع تفهمنا الكامل لما يمر به هذا الغضب المبرر من مرحلة انفعالية مررنا بها جميعا. أقول ذلك لأن بعض برامج التوك شو وبعض تعليقات وسائل التواصل الاجتماعية، اللذين ابتلينا بهما، يصران على أن يمثلا جزءا من المشكلة، لا أن يكونا جزءا من الحل. وكمحاولة نقدية لما أراه تحليلا خاطئا للحدث، اسمحوا لى أن أورد الملاحظات التالية:

رأى البعض أن هذا العمل الإرهابى يستهدف الحلقة الضعيفة فى المجتمع ويعنون بذلك إخواننا المسيحيين ودار عبادتهم الملاصقة للكاتدرائية، وذلك بعد نجاحات الجيش والشرطة فى مواجهتهم. وهذا أمر بعيد عن الحقيقة. صحيح أن الجيش والشرطة حققا الكثير فى المواجهة، لكن الصحيح أيضا أن أبناءنا فى هذين الجهازين الوطنيين ما زالوا يقدمون التضحيات من أجل الوطن، فى مواجهة فئة لا تعرف معنى الوطنية. ثم إن محاولة إحداث الفرقة المتصورة بمثل هذا الحادث، والتى أرجو أن تفشل دائما، ليست ضربا للحلقة الضعيفة، لكنها تستهدف أقوى وأمتن الحلقات الكفيلة بالحفاظ على الوطن. ولعل ذلك ما عبر عنه رئيس الجمهورية قبل الحادث، بمدة تحسب بالساعات وليس بالأيام،عندما قال إنه لا يخشى مواجهات الخارج، ما دام مطمئنا على وحدة الصف فى الداخل.

إذا اتفقنا على استهداف الحلقة القوية كما أوضحنا، فلابد أن ندرك القصد السياسى لا الدينى، دون أن ننخدع بانتماء الإرهابيين لما سمى إمارة سيناء. هؤلاء هم الأداة لمن دربهم ومولهم وخطط لهم وأعمى بصيرتهم، تحقيقا لهدف فى إحداث الفرقة وضرب الاستقرار، وأثر ذلك على التنمية والسياحة والاستثمار. أعداؤنا يعلمون ـ كما نعلم نحن ـ

إن الاعتداء على الكنائس لن يؤدى إلى إحياء الخلافة أو إعلان الإمارة، لكنهم يخططون لأن تكون هذه الأفعال أوراق ضغط سياسية قد تؤدى إلى شكل من أشكال المصالحة واختراق الحياة السياسية والاجتماعية مرة أخرى. وتواصلهم المستمر مع الجهات الإقليمية والأجنبية، التى ساندتهم من قبل، يؤكد صحة هذا التحليل.

ألا يحزننا أن نسمع فى أحد البرامج من يصرخ مختزلاً الأمر فى أنه يتسق مع مناخ اضطهاد الأقباط، وشيوع الأفكار السلفية؟ نحن بالقطع لا نرحب بشيوع أى فكر أو فعل يؤديان إلى الكراهية والاضطهاد، لكننا لا نوافق أيضا على توظيف ذلك فى تحليل خاطئ ومضلل ، بحسن نية أو بغير ذلك.

من أكثر أشكال التحليل الخاطئ، الذى لا يستند إلى معلومات لا يمكن أن تكون متاحة بصورة كاملة فى زمان الحرب التى نواجهها، التعجل بتأكيد وجود خلل أمنى فادح، والسخرية من ذكر وقائع أكبر تحدث فى الدول الغربية كفرنسا وألمانيا وبلجيكا. وأزيدكم من الشعر بيتا حزينا عندما نسمع صوتا نشازا يتساءل عن وجود الأمن حول الكنائس؛ وعما إذا كان للحماية أو الرقابة، بل والتواطؤ. وصوت آخر يشكك فيما يذكر من معلومات وبيانات.

لا تعليق على هذا الهراء، لكننا ندرك أن ما يحدث من إرهاب هو نسبة صغيرة من الهول الذى حمانا الله منه ، بفضل يقظة الأمن والضربات الاستباقية للجيش والشرطة، اللذين يحاصران الإرهاب فى كل ربوع الوطن، ويضحيان بأرواحهما من أجلنا. إننا لا نعنى بذلك إعفاء أحد من التقصير، بل والمحاسبة بالطبع إذا ما ثبت ذلك بالنسبة لأى شخص. لكننا نجزم إذا ما استهنا بجهود وتضحيات أبنائنا، لا يفعل ذلك إلا خائن، قولاً واحداً.

ختاماً، أود أن أقول إن الزوايا السابقة للتحليل الخاطئ لا يصح أن تؤثر فينا. لكن تكرارها فى برامج عالية المشاهدة ووسائل تواصل اجتماعى منفلتة، غرضا أو مرضا، يضر ولا ينفع. نحن فى حاجة إلى وحدة الصف وإدراك الهدف السياسى مما يجرى والثقة فى الجيش والشرطة، ومساندتهما بما قد يعرفه أى منا من معلومات. هكذا يمكن أن تشرق شمس المستقبل فى وطننا وقد تخلص من الإرهاب. ولا بأس من أن نحسن الظن ببعض، ولا أقول كل، من يمارسون التحليلات الخاطئة، وننصحهم بألا يشاركوا فى محاولة إطفاء هذه الشمس، التى لن تنجح أبداً بإذن الله.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف