الوطن
د. محمود خليل
الدولة الشائخة وجيوب النقمة
ليس فى مقدور جماعة أن تهزم دولة، لكن الدول لا تستطيع النهوض والوقوف على قدمين ثابتتين إذا انتشرت بداخلها جيوب نقمة حتى لو كانت صغيرة. الجرح الصغير يفقد أى جسد توازنه، مهما كان قوياً. أقول ذلك بمناسبة تلك الخلايا والجيوب الآخذة فى الانتشار وتنفيذ عمليات إرهابية داخل مصر، بدءاً من تنظيم «أجناد مصر»، وتنظيم «أنصار بيت المقدس»، ومروراً بتنظيمات على شاكلة «مكملين» و«حسم»، وانتهاءً بـ«داعش»، التى ظهرت على مسرح العاصمة، وأعلنت مسئوليتها عن عملية تفجير الكنيسة البطرسية. بغض النظر عن الاجتهادات التى تُساق فى هذا السياق عن علاقة هذه التنظيمات العنقودية المختلفة بجماعة الإخوان، وأنها تمثل أذرعاً عسكرية لها، ففى كل الأحوال تمثل الجماعة أكبر مستفيد من «تهنيج» الدولة المصرية، انتقاماً من النظام الذى يحكم، لكن يبقى من الضرورى الالتفات إلى عدد من الأمور ونحن بصدد تحليل هذا البلاء المبين الذى أصبح يضرب المجتمع المصرى بقوة.

أول الأمور الواجب الالتفات إليها هو التركيبة العمرية للمنخرطين فى هذه الخلايا، فالمراهقون والشباب هم الغالبون عليها، وهم عدتها فى تنفيذ العمليات، وأحياناً ما يكونون القادة المنظرين لأفكارها، والمسئولين عن التخطيط لعملياتها. والعامل المشترك بين أفراد هذه الخلايا هو الاتفاق على معارضة الحادث فى مصر الآن، واليأس من تغييره بالطرق السلمية فى ظل حراك ديمقراطى حقيقى، ويستند أغلب هؤلاء فى تلك النظرة إلى الكيفية التى أطيح بها بالرئيس المعزول محمد مرسى، رغم أنه جاء بانتخابات شعبية، ولا يشفع فى نظر هؤلاء الملايين التى نزلت فى 30 يونيو 2013 مطالبة بتغيير النظام وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وهم فى الأغلب يرون أن هذه المظاهرات جاءت مصنوعة، ويصدّقون -فى هذا السياق- ما يقوله لهم قادتهم.

الأمر الثانى أن هذه الخلايا تجيد التحرّك فى إطار الثغرات الكثيرة التى تميز الأداء فى مصر. ولنا أن نتصور مخاطر المواجهة ما بين مؤسسات شاخ أداؤها، وعناصر شبابية تتحرك بفكر بدائى، لكنه لا يعدم حيلة فى النيل ممن يريد النيل منهم، بسبب سذاجة الأداء، والوقوع فى الأخطاء نفسها عشرات المرات. لا أجدنى فى حاجة إلى تذكيرك بنماذج تبين لك سوء الأداء والتقصير. فكل حادثة إرهابية تقع تعبّر عن أداء غير قادر على المواجهة، نعم ينجح الأمن فى إحباط عمليات كثيرة، لكن حجم العمليات الناجحة يؤكد أن «فيه حاجة غلط».

الأمر الثالث أن عمليات الضغط والقهر التى يعامل بها من تشتبه الأجهزة الأمنية بهم، تجعلهم أرضاً خصبة لتقبّل الأفكار المتطرّفة، وتمهدهم للتحول إلى أدوات انفجار فى وجه المجتمع. محمود شفيق نموذج على ذلك، لقد برّأته النيابة من التهم التى قبض عليه بها، بعد عدة أشهر قضاها بالسجن. ماذا فعلت الأجهزة معه بعد ثبوت براءته؟، هل جلس معه أحد وشرح له الظروف التى تمر بها البلاد وبرّر له ما تعرّض له؟. هل تحرك أحد لمساعدته على العودة إلى دراسته وحياته الطبيعية؟، هل مدّ له أحد يد العون قبل أن تلتقطه أيادى الإرهابيين؟. لم يحدث شىء من ذلك. هذه المواجهة المزعجة بين الدولة الشائخة وجيوب النقمة الشبابية تقذف بنا فى رحم ليل طويل..!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف