لا يكفي أن نأسي ونترحم كل يوم علي شبابنا الذين يموتون كل يوم غرقاً في البحر وهم محشورون في قوارب الهجرة غير الشرعية إلي أوروبا.. كان يجب أن تخف فرق البحث لدراسة هذه الظاهرة علمياً علي أرض الواقع.. لتعرف كيف يعيش هؤلاء المغامرون بحياتهم.. والمشكلات التي يهربون منها.. والبيئة الطاردة التي تدفعهم إلي الهجرة للمجهول والطرق التي يسلكونها والقوارب التي تتولي التهريب.. ثم تقدم توصيات عملية إلي صاحب القرار لما يجب عمله حتي نحافظ علي حياة هؤلاء الشبان.
من المؤكد أن فكرة القرار من الواقع المأزوم في بلادنا قد سيطرت علي هذا الجيل المغامر أملاً في أن يجدوا في دول الشمال الجنة التي لم يجدوها في الجنوب.. فقرروا الهروب بأي طريقة من حياة الفقر والجهل والمرض والحروب والبطالة والعشوائية.. ولو كلفهم ذلك حياتهم.
هم يعرفون أن مغامرتهم بالهجرة غير الشرعية محفوفة بالخطر.. وأنهم سيواجهون شتي أشكال الخوف بداية من المراكب المتهالكة وألاعيب النصب والأمواج العاتية علي مدي أيام طوال وصولاً إلي المجهول في الأراضي الأوروبية من أجل العيش والاستقرار.. ومع ذلك يغامرون ويجازفون بأرواحهم.. أليست هذه قضية جديرة بالبحث والدراسة والمعالجة.. بعيداً عن الأوهام والأساطير التي نعيش فيها.. والتي يراد لها علي أن تغطي علي الواقع الأليم.
غيرنا سبق إلي هذه الدراسة وإلي إعداد خطط العلاج والمواجهة.. وخلال الأيام القليلة الماضية عقد القادة الأوروبيون قمة في بروكسل لهذا الملف.. وكان من أهم القرارات التي توصلوا إليها مضاعفة الموارد المخصصة لإنقاذ المهاجرين غير الشرعيين في البحر المتوسط 3 مرات.. والتوجه إلي مجلس الأمن لإصدار قرار يسمح بالتحرك عسكرياً ضد المهربين وضبط السفن وتدميرها قبل أن تحمل المهاجرين ومراقبة السواحل التي تخرج منها السفن.
وقد جاء هذا التحرك من جانب الاتحاد الأوروبي بعد حادث انقلاب مركب كان يقل 900 مهاجر غير شرعي.. من بينهم 200 سيدة وما يقرب من 50 طفلاً.. وبعد أن تحول أمر الهجرة غير الشرعية إلي مأساة إنسانية تتكرر بشكل شبه يومي.. وليس لهؤلاء المهاجرين من ذنب غير أنهم رغبوا في الفرار من الحروب الطاحنة التي تفتك ببلادهم بحثاً عن رزق ومستقبل أفضل في إحدي الدول الأوروبية.
وهناك بعض الدول في أوروبا تتعاطف مع المهاجرين وتحاول مساعدتهم وإيواءهم.. وهناك بعض الدول الأخري التي ترفض رفضاً قاطعاً دخولهم إليها خوفاً مما قد يحملونه معهم من أمراض العالم الثالث "إرهاب وفقر وجهل ومرض".. فضلاً عن أنهم بالقطع سوف يشكلون عبئاً مادياً ثقيلاً.. وشيئاً فشيئاً صار هذا الملف أحد أسباب الخلافات والنزاعات بين الدول الأوروبية.
الاتهام موجه تحديداً لإيطاليا باعتبارها المحطة المفضلة لقوارب الهجرة غير الشرعية.. ومنها ينطلق المهاجرون إلي دول أوروبية أخري أكثر ثراء.. كما استخدمت اليونان قضية المهاجرين لتهدد بأنها إذا لم تحصل علي دعم أوروبي ينقذها من الإفلاس فإنها ستطلق موجة من ملايين اللاجئين لديها نحو أوروبا.. وتحديداً نحو ألمانيا.. وذلك بمنح أوراق سفر أوروبية إلي المهاجرين غير القانونيين الذين يعبرون حدودها أو إلي 10 آلاف شخص موجودين لديها في مراكز احتجاز.. وقد أغضب ذلك التهديد ألمانيا التي ردت الصاع صاعين باقتراح استبعاد اليونان من منطقة "شنجن" التي تضم 26 دولة أوروبية يتم التنقل بينها دون حاجة إلي جوازات سفر.
وهكذا أصبح مهاجرونا مشكلة لنا وللعالم من حولنا.. ووجب علينا أن نجد حلولاً إنسانية لهم.. ولا نتركهم فريسة للبحر أو للسلاح.