محمد يوسف
تفجير الكنيسة.. دلالات وحقائق
مصر تتشح بالسواد.. كان هذا هو حال «المحروسة» طوال الأيام الماضية إثر التفجير الإرهابى الغادر الذى استهدف أخوتنا المصلين المسيحيين بالكنيسة البطرسية بالعباسية والذى خلف عددًا كبيرًا من الضحايا ما بين شهداء ومصابين.. والذى جاء بعد أقل من 48 ساعة على تفجير إرهابى آخر استهدف كمينًا للشرطة بجوار مسجد السلام بمنطقة الهرم والذى راح ضحيته 6 شهداء من رجال الأمن ونحو 10 مصابين آخرين.
وبقدر الحزن الشديد الذى انتاب جميع أبناء هذا الشعب المصرى الصامد الصابر والمخاوف الرهيبة من عودة مثل هذه العمليات النوعية متناهية الإجرام، إلا أننى شخصيًا رأيت بصيص نور وجدته متجسدًا فى حالة الالتحام الكبرى بين مسلمى ومسيحيى مصر، فالجريمتان كانتا تخططان لزرع الفتنة الطائفية لقرب الأولى من مسجد ساعة صلاة الجمعة والثانية تمت داخل مصلى للمسيحيين. فكانت المؤامرة الدنيئة أن يعتقد المسلمون أن المسيحيين وراء التفجير الذى تم على بعد أمتار قليلة من المسجد.. وأن يظن المسيحيون أن المسلمين وراء تفجير كنيستهم وهنا تقع الطامة الكبرى وتنهار الوحدة الوطنية التى تحدث عنها الرئيس عبد الفتاح السيسى قائلًا إنها أقوى عامل قوة يميز هذا الشعب العظيم .
فمنذ قديم الزمان وعنصرى الأمة، مسيحيون ومسلمون، يضربون أروع الأمثلة فى التماسك والترابط فليس هناك صراع وجودى بينهما بل إنهما يجمعهما تاريخ وكفاح مشرف ومشترك.. وهذا بالمناسبة ليس كلامًا إنشائيًا بل إنه مثبت بكافة الشواهد والأدلة.. ومن يريد أدلة واقعية على الروابط المشتركة والمصير الواحد الذى يجمع قطبى مصر ما عليه إلا زيارة مستشفى «السبع راهبات» فى حى شبرا العتيق، فسيجد على الفور الراهبة تريزا تعالج أذن محمد التى أكلها «عيش الغراب»، أو حتى يروح مستشفى نصر الإسلام ويشوف عم جرجس وهو بيكشف عند الدكتور أحمد على صوت آذان المغرب.
الشاهد من ذلك أن جميع مؤامرات إشعال الفتنة الطائفية بين عنصرى الأمة، اللذين جمعهما ميدان التحرير وألفت بين قلوبهما صلوات الغائب على أرواح الشهداء من الجانبين، لا يمكن أن تنجح وسيبقى المسلم والمسيحى أبناء وطن واحد يتحملان مصاعبه ويعملان كتفًا إلى كتف على حمايته وتقدمه.
نعم لقد توحدت مصر على قلب رجل واحد أيام الثورة وكان الأقباط يحمون إخوانهم المسلمين خلال تأديتهم للصلاة وفى المقابل كان المسلمون يؤمنون قداس إخوانهم الأقباط، بل إن الجميع سجدوا شكرا على نجاح الهدف الأسمى وهو إسقاط دولة الظلم والفساد.
فأكثر ثروة يمكن أن ينعم بها أى إنسان هى الاستقرار والعدالة، فمصر دائما لم تعرف الفرقة بين أبنائها بحسب الدين أو الجنس فالكل يعيش فيها فى أمان ومهما كانت التحديات أو التهديدات سيخرج المصريون، كعادتهم، من كبوتهم منتصرين وستظل مصر بلدًا آمنًا كما بشرنا القرآن الكريم.. حيث تتميز العلاقة بين المسلمين والمسيحيين فى مصر بأنها متينة وقوية وسوية، فالمسيحيون فى مصر جزء لا يتجزأ من النسيج الوطنى المصرى والعربى بل والإسلامي، وكان ذلك يرجع إلى مجموعة من العوامل منها: التسامح الإسلامى المعروف، وسماح الإسلام لغير المسلمين بالمشاركة فى البناء الثقافى والحضاري، وقد ساهم المسيحيون المصريون فى ذلك البناء بقوة.
إن الإسلام حين دخل مصر حرر المسيحيين من الاضطهاد الروماني، وكان لذلك أثره البالغ فى نفوسهم.. بالإضافة إلى عوامل أخرى فى قبول المصريين مسلمين ومسيحيين للغة العربية، التى أصبحت الوعاء الثقافى للجميع، ولا شك أن هذا صنع نوعا من التصور والوعى والتفكير المشترك وظهر ذلك جليًا فى جميع الثورات التى توحدت فيها كلمة الأمة على قلب رجل واحد بداية من ثورة 1919 ثم ثورة 25 يناير 2011 وأخيرًا وليس آخرًا ثورة 30 يونيو التى أعادت مصر للمصريين . وستظل مصر أبد الدهر عصية على كل متآمر ولن يفتت وحدتها انفجار هنا أو شائعة هناك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. وليذهب المتربصون بأمن ووحدة مصر إلى مزبلة التاريخ.