جريدة روزاليوسف
كمال زاخر
ماذا نحن فاعلون؟
العملية الإجرامية الإرهابية التى استهدفت كنيسة مصرية فى نطاق الكاتدرائية المصرية لم تكن عفو الخاطر، أو رمية بغير رام، فقد أراد من قاموا بها، تخطيطًا وترتيبًا وتنفيذًا، إرسال أكثر من رسالة وتحقيق أكثر من هدف فى عدة اتجاهات، يأتى فى مقدمتها محاولة كسر حالة الانحسار التى طوقت المد الإرهابى، خاصة فى سيناء، ولعل التصعيد النوعى الذى شهدته هذه العملية الإجرامية بالانتقال من المحيط الخارجى للكنيسة الى حرمها داخلها، فضلًا عن الانتقال من العبوات المتفجرة إلى الأحزمة الناسفة، يشير إلى أنها عملية تتجاوز الأفراد وتتصل بأجهزة استخباراتية، خاصة فى اختيار موقع الجريمة الذى يقع فى المنطقة المعتمة، التى لا تتمتع بالتركيز الأمنى لكونه فى نطاق الكاتدرائية لكنه ليس فى القلب منها، ولا يقصده إلا عدد قليل من المصلين، وقد تأكد هذا بإعلان تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابى مسئوليته عنه. ويأتى تفكيك العلاقة بين الأقباط وبين الرئيس السيسى هدفًا مبرزًا، تأسيسًا على إدراك من يقفون وراء العملية الإجرامية لكون الأقباط رقمًا مهمًا فى المعادلة الوطنية وفى معادلة 30 يونيو، وتيقنهم من أن تفكيك محور «الأقباط ـ السيسى» سينتهى إلى سقوط النظام والوطن فيقفزون مجددًا على السلطة ويعاودون بناء وتحقيق حلم دولة الخلافة، الذى تحطم على صخرة مصر. ولم يكن التوقيت بعيدًا عن التخطيط؛ فقد فشلت دعوتهم المتوهمة لثورة 11/ 11 فلتكن ضربتهم فى 11/12 بعد أن خابت تقديراتهم بفوضى ما بعد تعويم الجنيه والارتفاع المباغت فى الأسعار، وظنوا أنه يهيئ الفضاء المصرى لاندلاع الثورة المتوهمة، خاصة بالضغط على العصب الملتهب فى العلاقة مع الأقباط والذى لعبوا عليه بامتداد نصف قرن. ولهذا لم يكن مستغربًا أن تنطلق كتائب اللجان الإلكترونية فى الترويج لتوهماتهم ومحاولة خلق أجواء التشكيك فى تخبط لا تخطئه عين، بين التقصير الأمنى والتراخى الرسمى، لتأتى التحركات والقرارات السريعة للرئيس السيسى والدولة، ومبادرة أجهزة المعلومات والبحث الجنائى بالتحرك السريع لتكشف أبعاد العملية الإجرامية، وملاحقة العناصر المنفذة، تأتى لتحبط المد التشكيكى لهذه الكتائب. لكن يبقى السؤال: ماذا بعد؟ خاصة أن المعركة مع الإرهاب مازالت قائمة، بل ستزداد حدة وتصعيدًا، ولن يتوقف الإرهابيون عن استهداف مصر، فلا قيام لمخططهم وحلمهم الأثير بغير سقوط مصر، والذى لا مدخل له غير تفكيك وحدته وتخريب أواصر وروابط التضامن بين مكوناته، وبين الشارع والحكم. صحيح أن التخطيط والرؤية خارجية، لكن يبقى التنفيذ بأيد مصرية، فماذا نحن فاعلون لتحصين بعض شبابنا من القبول بالتعاون مع التخطيط الخارجى، وقطع الطريق على من يستهدفون سلام وأمن بل ووجود مصر. على المستوى التكتيكى يتوجب على البرلمان المبادرة بمراجعة وتثوير وضبط منظومة قوانين الإجراءات الجنائية حتى يدفع مسار القضاء إلى سرعة الفصل فى القضايا المعروضة أمامه وصولًا إلى العدالة الناجزة، وبعث الحياة فى ركن «الردع» إلى أحكامه فضلًا عن مراجعة منظومة العقوبات الجنائية وتوقيتات تنفيذها حتى تعيد الأمن لربوع الوطن. ويتوجب على وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية تطوير آليات ومنهجيات عملها بما يتفق مع التطور الفكرى والتقنى الذى عرفته نظريات وآليات الأمن بعد ثورة المعلومات والاتصالات، فالمفاتيح القديمة لا تفتح الأبواب الجديدة، وهى لا تفتقر للعناصر والكوادر المتميزة ولا يستطيع احد التشكيك فى وطنيتها وما تقدمه من تضحيات فداء للوطن. وعلى المدى البعيد فى الإطار الاستراتيجى صار من المحتم مراجعة وضبط وتطوير المدخلات التى تشكل العقل الجمعى والذهنية العامة، التعليم والثقافة والإعلام، ويأتى التعليم على رأس القائمة، ولم يعد لدينا ترف الحديث عن تعدد مسارات التعليم، فازدواجية التعليم بين ما هو مدنى وما هو دينى يمثل الباب الملكى لانهيار منظومة التعليم ومنتجه، لا بديل عن توحيد التعليم ليصبح مدنيا بجملته شكلًا وموضوعًا، ولا يمكن تبرير وجود تعليم دينى موازى يكاد يخلق تيارت منفصلًا أحاديًا يدعم التفريق بين ابناء الوطن الواحد ويتأسس على التمايز الطائفى، ويؤسس لأجيال لا تعرف التنوع والتعدد ومن ثم لا يعرف للمواطنة معنى خارج الانتماء الدينى، فهل نملك الإرادة والشجاعة لمواجهة هذا الخلل بعيدا عن التوازنات والمواءمات؟ وقد قامت مؤسسة «مصريون فى وطن واحد» بعقد مؤتمر بامتداد عدة أيام، إبريل 2009 فى سياق المؤتمر الوطنى الثانى لمناهضة التمييز الدينى، صدرت الأبحاث فى كتاب فى مطلع عام 2010 تحت عنوان «التعليم والمواطنة»، قدمت فيه أبحاثًا متعمقة لخبراء لصيقى الصلة بالتعليم والتربية، يتقدمهم الدكتور محمد منير مجاهد، والدكتور محمد نور فرحات، والدكتور كمال مغيث، والدكتور القس إكرام لمعى، والدكتور مصطفى النبراوى، والدكتور أنور مغيث، ضمن قائمة ممتدة من أعلام التنوير، ولم يلتفت أحد إلى ما قدموه. فهل ننتبه إلى حاجتنا للتوقف والتدبر والدعوة لمواصلة ما انقطع لنقطع الطريق على الساعين لاختطاف الوطن؟ وهل نتخلى عن سياقات الشجب والاستنكار، إلى تحرك فاعل يترجم إلى فعل على الأرض؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف