ماذا يفعل التعليم في وطنٍ ضائع؟ وما فائدة المأكل بلا صحة؟ وكيف ينتفع المواطن بالمسكن دون أمن؟ وتروح فين الشمس من على قفا الفلّاح؟ إلى آخر كل تلك الأسئلة الوجودية العميقة التي تأخذنا من خلال الجدليات الهيجلية إلى عدمية الوجود وانعدام الجدوى ونظريات ديكارت المتشككة فيما لا تراه العين.
وبغض النظر عن ثنائية البيضة والفرخة، هناك أيضاً تساؤل من الواجب إضافته إلى كل ما سبق وهو ما فائدة الحراسة والأمن ما دامت القنابل ستدخل إلى أسفل مقاعد السيدات في قداس الأحد في أكبر كنائس مصر؟ بالإضافة أيضاً إلى سؤال يشبه تلك الأسئلة عن أصل الوجود وهو كيف نؤمّن كمائن الشرطة؟ أين نحن ومن أين أتينا وإلى أين سنذهب؟ فليأت الرفاق العابثون معي لمشاهدة هذا الفيلم القصير:
المشهد الأول..
منحة دراسية في مجال الصحافة جاءت نجدة من السماء، السفر لمدة أسبوع كل شهر، تصريح سفر مطلوب من الشاب المعفى مؤقتاً من الخدمة لكونه الابن الوحيد لوالده.
شهادة الإعفاء المؤقت منتهية الصلاحية ولابد من تجديدها إلى إعفاء نهائي وذلك يتطلب استخراج قيد عائلي من مصلحة الأحوال المدنية بوزارة الداخلية مما يتطلّب تقديم شهادة ميلاد الشاب وشقيقاته البنات ووالده ووالدته وقسيمة الزواج.
تم رفض طلب استخراج القيد العائلي حيث أن اسم الوالدة به خطأ في حرف واحد في شهادة ميلاد الإبن وهنا يتوجب عليه التوجه إلى قطاع الأحوال المدنية بالعباسية لتعديل اسم والدته ومن ثم استخراج شهادة ميلاد صحيحة ثم تقديمها للحصول على القيد العائلي الذي بدوره سيتم تقديمه للحصول على شهادة الإعفاء.
تم تقديم طلب تعديل اسم الأم ولم يتم إجراء التعديل بعد شهر.
رئيس مصلحة الأحوال المدنية بوزارة الداخلية ينفي مسئوليته عن الحادث.
المشهد الثاني..
يقوم الشاب بإرسال رسالة عبر البريد الإلكتروني للأكاديمية الأجنبية قبل موعد الطائرة بعشر ساعات يفيدهم بعدم تمكنه من السفر نظراً لوجود بعض المشاكل في أوراق جواز سفره.
بعد ثلاث دقائق ترد الأكاديمية بتأجيل الدورة التدريبية لحين حل تلك المشاكل.
المشهد الثالث..
بمجرد عزل رئيس الجمهورية المنتمي لجماعة الإخوان أُحرقت كنائس وأقسام مصر، وذلك بعد ما تردد فوق منصّة رابعة من عبارات تهديد ووعيد للنصارى الانقلابيّين.
المشهد الرابع..
لم يستطع “مايكل” الدخول إلى الكاتدرائية لتقديم العزاء، فقد نسى محفظته في سيارة شقيقته التي أوصلته وذهبت.
“أين إثبات الشخصية؟” سأله فرد الأمن النبيه ونظرة التشكيك تكاد تقفز من عينه لتطعن مايكل بالسكين بتهمة الشروع في دخول الكنيسة دون إثبات شخصية.
“وانت مربّي دقنك ليه كده؟” كان هو السؤال الثاني للفتى الذي لم يدق علامة الصليب على يده اليمنى ولم يحمل بطاقته ليجيب بأن بشرته حساسه ولذلك فقليلاً ما يقوم بحلاقة لحيته الخفيفة.
دلف الضابط إلى داخل الكنيسة وغاب قليلاً ثم أتى ممسكاً بأحد المواطنين الذي قام بدوره بتوجيه السؤال الأوتوماتيكي “سمّع الصلاة الربّانية”، فسمّعها الشاب.
“إذا كان أنا حافظها يا أستاذ عماد!” وجّه الضابط تلك العبارة له موبخاً ليعتصر عماد ذاكرته قائلاً: “طب سمّع قانون الإيمان المسيحي” فسمّعه الشاب، وهنا هنأ الضابط الأستاذ عماد على رجاحة عقله وأخبر مايكل بأنه بإمكانه الدخول إلى الكنيسة.
يلتفت مايكل مولّياً ظهره لباب الكنيسة ويذهب.
المشهد الخامس..
ينتفض الشاب الحَذِق ويركل المنضدة بقدمه ليقف بين الرفاق قائلاً: الأمن هو من فجّر الكمين، الأمن هو من فجّر الكنيسة، الإخوان براء والعملية ليست إرهابية.
المشهد السادس..
ينتفض الشاب الحَذِق نفسه ويركل المنضدة نفسها ليقف بين نفس الرفاق قائلاً: فلنلعن ذلك الإرهاب الأسود الذي قتل الأبرياء في باريس.
المشهد السابع..
وزير التربية والتعليم المصري على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر: “أودين بشده زالك العمل الارهبى البغيد”.
المشهد الثامن..
انفجار هائل داخل قاعة الكنيسة البطرسية الملاصقة للكاتدرائية إثر انفجار قنبلة وزنها 12 كيلوجرام من مادة تي إن تي تم إدخالها في غفلة من الأمن ثم وضعها تحت مقاعد السيدات أثناء قداس الأحد. مما ترتب عليه وفاة وإصابة العشرات ووصول وزير الداخلية إلى محيط الكنيسة لإعادة الموتى إلى الحياة.
المشهد التاسع..
يذهب مايكل إلى الكنيسة البطرسية ليتأكد من سلامة العم نبيل “فرّاش الكنيسة” ويمنعه الأمن من الدخول لعدم حمله إثبات الشخصية، ولكن إحداهن تخبره من الداخل بأن العم نبيل قد مات.
المشهد العاشر..
مشهد علوي لمنطقة العباسية..
أصوات متداخلة للشاب الحذق وفرد الأمن وموظف السجل المدني ورئيس مصلحة الأحوال المدنية في وزارة الداخلية والأستاذ عماد.
يدخل صوتٌ واحدٌ ليمزق تلك الضوضاء ويخرسها:
” ماذا يفعل التعليم في وطنٍ ضائع؟ وما فائدة المأكل بلا صحة؟ وكيف ينتفع المواطن بالمسكن دون أمن؟ وتروح فين الشمس من على قفا الفلّاح؟”
قطع