أحمد بان
من قتل الأقباط فى الكنيسة البطرسية ؟
فجعت مصر صباح الأحد بحادث إرهابى نفذه انتحارى تمكن من التسلل وتفجير نفسه فى جموع من الأقباط، الذين اجتمعوا للصلاة فى الكنيسة البطرسية الملحقة بمبنى الكرازة المرقصية بالعباسية فى قلب القاهرة، الحادث أسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا الأبرياء وهم يفرغون لصلواتهم، وبعيدا عن التحديد المباشر لمن قام بتلك العملية وتحديد المسؤولية فى تنظيم أنصار بيت المقدس أو خلية تابعة لداعش، فإن لائحة الاتهام تتسع إذا أردنا تحرير المسؤولية عن حادث ليس الأول وأظن أنه لن يكون الأخير، مادامت منصات إنتاج هذه الأفكار التكفيرية لا تتوقف.
دعونا نحدد مستويات المسؤولية عن استهداف الأقباط واستباحة أرواحهم وممتلكاتهم.تقع المسؤولية بالأساس على تراث فقهي لم تمتد له يد الإصلاح عبر قرون، أنتج ركاما من الفتاوى والأحكام التى توقف العقل عن استنباط غيرها منذ نهاية القرن الثالث الهجري، حيث بقى المسلمون يعيدون تدوير ما أنتجته المذاهب الفقهية والبناء عليه، ما أنتج ثقافة جامدة تحرض على التطرف والإرهاب، وتحتفى بالموت وتعادي الحياة.
تأمل فقط فى واحدة من الأمور الكاشفة لعلاقة الفقه التقليدى بقضايا الأقباط ،عبر سؤال طرح عبر بعض المواقع السلفية حول موقف المذاهب الفقهية الأربعة من مشروعية تهنئة الأقباط بأعيادهم، فيجيب الموقع بالقول قال العلامة ابن حجر الهيثمى الشافعى فى باب الردة وتأمل باب الردة، “ثم رأيت بعض أئمتنا المتأخرين ذكر ما يوافق ما ذكرته فقال، ومن أقبح البدع موافقة المسلمين النصارى فى أعيادهم بالتشبه بأكلهم والهدية لهم وقبول هديتهم فيه، وأكثر الناس إعتناء بذلك هم المصريون، وقد قال صلى الله عليه وسلم من تشبه بقوم فهو منهم” ثم يلحق بذلك قولا آخر على لسان من سماه فضيلة الشيخ علي محفوظ الأزهرى رحمه الله ،” ومما ابتلى به المسلمون وفشا بين العامة والخاصة، مشاركة أهل الكتاب من اليهود والنصارى فى كثير من مواسمهم.
ثم يتبع ذلك بالقول ” القاعدة الشرعية أن الأصل فى الأشياء الإباحة، وبالإشارة إلى ما سبق نجد أن من قال بجواز التهنئة ليس معه دليل،كما أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن إبتدائهم بالسلام، كما أن من قال بعدم الجواز استدل بقول عمر بن الخطاب ولم يعرف له مخالف من الصحابة، وقول الصحابى حجة إذا لم يعرف له مخالف من الصحابة، وكان قوله فى مسألة لا تدرك بالاجتهاد، لذا فالحق مع من قال بعدم الجواز”، قطعت جهيزة قول كل خطيب على هذا النحو القاطع والحدى استقرت فتاوى الفقهاء الأربعة، أو هذا من ما وصلنا عنهم عبر هؤلاء الذين يفتون فى نهاية الفتوى بالقول “والخلاصة المستفادة من كلام أهل العلم فى حكم التهنئة، أنها إن كانت مع تعظيم فإنه يخشى على صاحبها الكفر والعياذ بالله، إما إن كانت من غير تعظيم فإنها محرمة تقتضي التعزير لما فيها من مشاركة أهل الكتاب فى أعيادهم، ولكونها ذريعة إلى تعظيم شعائرهم وإقرار دينهم”.
هكذا وعلى ضفاف هذا الفقه تتكون قرائح الدعاة، ومن يدعون الانتساب للعلم الشريف تأملوا معى فى مشهد آخر جواب ابن تيميه فى فتاواه على حكم هدم كنائس أهل مصر وتذمرهم من هدمها حيث يقول:
“الحمدُ لله ربِّ العالمين: أمَّا دعواهم أنَّ المسلمين ظَلموهم في إغلاقها، فهذا كذبٌ مخالِف لإجماع المسلمين، فإنَّ علماء المسلمين مِن أهل المذاهب الأربعة؛ مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم مِن الأئمَّة؛ كسفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعد وغيرهم، ومَن قبلهم من الصحابة والتابعين – رضي الله عنهم – أجمعين متَّفقون على أنَّ الإمام لو هدَم كلَّ كنيسة بأرض العنوة كأرض مصر والسَّواد بالعراق وبر الشام ونحو ذلك مجتهدًا في ذلك ومتبعًا في ذلك لمَن يرى ذلك؛ لم يكن ذلك ظلمًا منه، بل تجب طاعتُه في ذلك ومساعدته في ذلك ممَّن يرى ذلك، وإن امتَنعوا عن حُكم المسلمين لهم كانوا ناقِضين العهدَ وحلَّت بذلك دماؤُهم وأموالُهم.
عندما نعرف أن ابن تيميه وأفكاره وفقهه محل توافق كامل بين التيارات الحركية المعروفة إخوان وسلفيين وجهاديين وجل الأزهريين ندرك عمق الأزمة التى نعيشها فلا نستغرب من قتل الأقباط ومن حرض عليهم.
فى مستوى آخر من مستويات الاتهام سنجد أن جهاز الشرطة مسؤول أو شريك فى المسؤولية على نحو كبير أيضا؛ لأنه اختار أو قبل منذ عقود واستمرأ أن يواجه الإرهاب على طريقته عبر القتل والتعذيب والتصفية خارج القانون أحيانا، فأنتج لنا عبر ممارساته فى الحقيقة فيروس إرهابى متحور يتطور على نحو مذهل، بينما هو بالمقابل لا يتطور على مستوى العقيدة أو التأهيل أو التدريب، ولازال الإرهاب قادرا على أن يضرب ويفاجىء الأجهزة ويكبد الدولة فاتورة باهظة.
ياسادة نحن أمام ظاهرة مركبة لا يصلح معها مواجهة أمنية بهذا المستوى من لياقة جهاز الشرطة التى تحتاج إلى نظر، ولا يصلح معه نظامنا التعليمي ولا شكل الثقافة المقدم ولا الحديث المتكرر الممجوج عن إصلاح الخطاب الدينى، بعيدا عن الاشتباك العلمي العاقل مع المعارف الدينية التى أنتجت هذا الخطاب.
إن التواطؤ على هذا الأداء المتدني فى مكافحة الظاهرة، والتعويل لدى البعض على تعديل التشريعات والقوانين، كلون من ألوان الهروب من مواجهة المشكلة، هو تحريض على قتل ليس الأقباط فحسب بل قتل كل من لا يشارك داعش أفكارها وأحلامها بتعزيز البيئة التى تنتج أمثال هؤلاء.