المصرى اليوم
عباس الطرابيلى
التكنولوجيا.. عدو الإنسانية!
قد يرى البعض هذا العنوان صادماً.. ولكنها الحقيقة!!

وبلا جدال استفادت البشرية كثيراً من هذه التكنولوجيا .. ولكن البشرية فقدت الكثير.. بسببها، فما يعيشه الناس من نِعَم سببه هذا التقدم التكنولوجى، ولكننى أرى أن لهذه التكنولوجيا خسائر رهيبة.. وبالذات الإنسانية.

وللأسف يستفيد الغرب من جوانبها الإيجابية.. ولكن العرب «يلهون» ويكتفون بالاستمتاع بجوانبها السلبية.. وهى عندنا كثيرة.. ومن المؤكد أن «الإنسانية» تضررت كثيراً من هذه التكنولوجيا، عليها لعنة الله، ولعنات كل رسله وأنبيائه.. وهكذا: الغرب دائماً يستفيد.. والشرق دائماً هو الخاسر.. ولكن كيف؟!

فى الغرب استخدموها لخدمة العلم والتعليم.. وبعض شبابنا يستخدمها للأسف فى الغش.. وبعضهم يستغلها فى السرقة والاحتيال والنصب.. وكلكم تعلمون، ولكن ما يهمنى هو هذه الإنسانية.. التى تحولت إلى الضحية الأولى لهذه التكنولوجيا.

ذلك أن الأب مشغول تماماً- وبالذات فى الشرق- عن عياله بهذه التكنولوجيا، بداية من اللاب والمحمول والفيس بوك وتويتر وغيرها.. وبات الواحد يقضى معظم وقته مع هذه التكنولوجيا، سواء ليلعب.. أو يتسلى.. أو يعاكس أو ليجرى وراء ما يراه لذيذاً.. ولكن فى هذه اللذة.. الوسائل القاتلة. وإذا سألتمونى كيف؟ قلت: أتعرفون أن تدنى الأخلاق الحالية سبب انجراف الآباء والأمهات وابتعادهم عن أولادهم بالانغماس فى قضاء الوقت أمام هذه التكنولوجيا.. وما أحوج أولادنا إلى أن يجلس إليهم الأب والأم والجد والجدة.

وقبل اختراع هذه التكنولوجيا كان الآباء والأمهات يجلسون إلى أولادهم ينقلون إليهم خبراتهم المكتسبة عبر القرون.. ويوجهون ويعلّمون وينصحون.. الآن صار الأب بعيداً عن أولاده، فحدثت الفجوة بين الأجيال وغابت النصائح والتوجيهات.. وابتعدت. والأم كذلك لم تعد تقدم خبرتها وما تعلمه لبناتها- خصوصاً فى أدق أمور الحياة- بل إن الأب لو فرغ قليلاً.. فإنه يرد على تساؤلات أولاده دون أى اهتمام.. يرد وذهنه مشغول تماماً عن ابنه.. وعن الإجابة الدقيقة والصحيحة.. بل نراه أحياناً يرد دون أى تعمّق.. وهكذا فقد البيت دوره الأساسى الأول فى تربية الأبناء.

والأبناء- أنفسهم- ما إن يعودوا إلى البيت، ينكفئ الواحد منهم حتى وهو يتناول طعامه مع الأسرة، إن حدث ذلك، على جهازه محمولًا كان أو اللاب أو غيرهما.. وهات يا بحث.. وهات يا «شات» وهات يا بحث عن تلك الموبقات المنتشرة على كل هذه الوسائل التكنولوجية، ولم يعد الابن يسأل أباه.. ولم تعد البنت تسأل أمها.. ولذلك لجأوا جميعاً إلى الزملاء فى الشارع.. أو فى المدرسة ليحصلوا على ما يريدون من معلومات.. وما أكثر ما فيها من أخطاء.

وافتقدت البيوت تلك الجلسات الدافئة- خصوصاً فى ليالى الشتاء الباردة- عندما كانت الأسرة تلتف حول كيس من الفول السودانى.. أو كيزان البطاطا والذرة المشوية، وربما عيدان القصب.. مع اليوسفى.. وهى جلسات كان الحوار يدور فيها بكل إنسانية، وتتبادل الأجيال المعارف الأصلية والحقيقية.

** وأصبح كل واحد من الأسرة أسير جهازه الخطير.. حتى إنهم لا يدركون خطورة هذه الشاشة على عيونهم.. والأخطر، على عقولهم، فهل ذلك هو الاستعمال الغربى الجديد، ولم تعد الدول التى ترغب فى استغلال غيرها واستعمارها، تلجأ إلى الجيوش والأساطيل.. وأصبحت التكنولوجيا هى أهم وسائل الاستعمار الجديد!! وهنا الخطورة غير المنظورة.

** وافتقد الشباب قوة البيت التربوية، عندما فقدوا تداول الأفكار والمعارف.. والأهم افتقدوا الإنسانية، التى تفرقنا عن عالم الحيوان، وأصبح كل واحد فى الأسرة أسير جزيرته الخاصة، أى داخل مستعمرته أو مستوطنته «المستوحدة»، فهل من منقذ!

** وهل باتت التكنولوجيا تسيطر تمامًا على كل العقول.. فإما المحمول واللاب.. وإما الإنسانية، وبالطبع تتغلب التكنولوجيا، وإذا أردنا أن نعرف أحد أخطر أسباب تدهور الأخلاق اسألوا التكنولوجيا.. وإذا أردنا أن ننجو فعلينا أن نختار بين الإنسانية.. أو الضار من هذه التكنولوجيا.

ألا أيتها الإنسانية أين أنت.. وكيف يعود الأب ليجلس إلى أولاده.. وكيف نجذب الأولاد إلى أحضان الإنسانية الدافئة.. فهل هذا ممكن.. أم ضاع الأمل؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف