يوسف القعيد
ثقافة اغتيال البديل المحتمل
يمكن تلخيص ما جري مع الدكتورة أمل الصبان، الأمين العام السابق للمجلس الأعلي للثقافة، باعتباره يمثل حلقة من حلقات لعبة السلطة في مصر. حاولوا اغتيالها معنوياً للتخلص منها. وذلك ما يمكن استيعابه وفهمه مما جري معه.
أعتبر نفسي متابعاً للمجلس الأعلي حتي عندما كان اسمه المجلس الأعلي لرعاية الفنون والآداب. ثم حذفت كلمة رعاية، حتي أصبح المجلس الأعلي للثقافة. ورغم قصر المدة التي تولت عملها فيها. إلا أن منجزها كان مهماً للغاية. فقد أحيت مكاناً جعلت منه حديقة ثقافية تنبت فيها آلاف الورود واستوعبت تضاريس الواقع الفكري والسياسي المصري علي اختلاف ألوانها. وحافظت علي الالتزام الدقيق بتضاريس الحكم المصري الآن.
الأمين العام هو الدينامو الذي يحرك لجان المجلس وكافة أنشطته. وأنا لم أكتب هذا الكلام من أجل تحديد أجندة بالإنجاز الهائل الذي قامت به. فكل متابع للثقافة يعرف جهدها ودورها حتي وإن اختلف معها. كانت أول من يذهب إلي المجلس وآخر من يتركه. وخلال ساعات تتعدي الخمس عشرة تقوم بآلاف الأعمال التي ربما من المفروض أن يقوم بها غيرها.
ثم فوجئنا بأنها متهمة بصرف أموال دون وجه حق. وهذا كلام يرد عليه بكلام آخر. فمن المعروف أن الأمين العام لا يصرف مليماً واحداً إلا بعد موافقة الوزير، رئيسه المباشر. ورغم يقيني أنها لم تصرف أي مبالغ. وقد طلبت موافقة الوزير قبل الصرف. وأيضاً رأي المستشار القانوني في أن تصرف أموالاً كجزء من جهد في فحص جوائز الدولة.
لكن حتي مع افتراض أنها صرفت ومدت يدها وأخطأت. والخطأ البشري حق لمن يمارس عمل عام. لكن من حقوق الشعب عليه أن يحاسب علي ما جنت يداه. إن التصرف معها كان تحويلها إلي النيابة الإدارية للتحقيق في الأمر وإعلان نتيجة التحقيق. إن كنا نحتكم لدولة القانون. وإن كنا نحترم سيادة القانون. ونحتكم له. لكن أن يتم إنهاء الموضوع في جلسة بينها وبين الوزير. فذلك ما يثير آلافا من علامات الاستفهام.
عرفنا بعد اللقاء أنها كتبت اعتذاراً عن عدم الاستمرار في عملها. رغم أنه لم يكن قد مضي علي التجديد لها سوي أيام. وأن السيد الوزير أعطاها خطاب شكر علي الجهد الذي قامت به خلال عملها. وإن كان الوزير يري أنها قامت بجهد يستحق الشكر بخطاب رسمي موقع منه. فلم قبل منها الاعتذار عن عدم الاستمرار في العمل؟ وما الأخطاء التي وقعت فيها حتي يطلب منها كتابة هذا الاعتذار، ثم قبوله فوراً وشكرها علي ما قامت به؟!
الناقص في القصة كثير. وما خفي ربما كان أعظم. لكن يمكن تخمينه في سياق لعبة المماليك الكبري التي تنخر الجهاز الحكومي المصري كالسوس. فأمل الصبان أزعجت قيادات الوزارة بجهدها ودورها. وكانوا يتهامسون عنها أن شقيقها الأكبر منها يحتل موقعاً تنفيذياً مهماً في الرقابة الإدارية. ومرة أخري أنه ضابط كبير في المخابرات العامة. مما يعني أن الطريق أمامها أصبحت سالكة لمنصب أكبر. ولا يوجد أكبر من أمين عام المجلس الأعلي للثقافة سوي الوزير.
ولأن شخصنة الأمور هي الجوهر والأساس في العمل العام. واختيار القيادات. ولا ننظر للبرامج التي يمكن أن يقدموها. ولا الرؤي التي نتوقعها منهم. فإن المعارك تدور علي أساس شخصي. بعيداً عن أي معايير. فلم يحدث في مصرنا في السنوات الأخيرة أن جئنا بمسئول لكي يحتل منصباً، وطلبنا منه تصوراً مكتوباً لدوره. وماذا يمكن أن يضيف فيه، وأن يحذف منه؟ وكيف يعيد صياغة دور وزارته لتتناسب مع التحديات التي تواجه البلاد؟.
لكن الوزير في بلادنا يلعب داخل وزارته دور الأخ الأكبر الذي نجده في رواية جورج أورويل الشهيرة، 1984. فالأخ الأكبر هو الذي يعرف كل شيء في وزارته. ويحفظ خباياها. ويحصي علي العاملين في الوزارة - وبالأخص منهم القيادات - أنفاسهم وما يفكرون فيه، وما يفعلونه ويقومون به.
فإن برز اسم من الأسماء، فإن أي وزير يقول له فوراً: ارفع رأسك يا أخي، أو ارفعي رأسك يا أختي.. لكي يقطعها. حتي تستتب الأمور ويصبح المستقبل - القريب والبعيد - مضموناً في جيب الوزير.
مناخ مثل هذا، هل نتوقع منه إنجازاً وعملاً رغم خطورة الدور الذي يمكن أن تقوم به وزارة الثقافة باعتبارها في طليعة الوزارات المعنية بإعادة صياغة العقل المصري والإنسان المصري والواقع المصري بكل ما فيه.
صديقي وزميلي في البرلمان خالد يوسف تحدث في الأمر مع المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء. وأنا أكتب علي أمل وصوله لرئيس الوزراء شريف إسماعيل، وأن يقرأه عباس كامل - وهو من هو - أو المقدم أحمد شعبان، في مكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي لا يرضيه أي ظلم يمكن أن يحيق بمصري: هنا والآن.