ارتبطت أولاً بالشعراء والشعر وامتدت إلي كل ما هو فائق فريد نادر من الإنسان والحيوان والبساط والجوهر وكل علم متقدم وفن متطور.
وردت في الذكر وسنة سيد البشر وأيضاً في القصائد والأمثال وقال العرب "كأنه من جن عبقر" جمعت بين حروفها معاني العلم والعمل والحكمة والخبرة والذكاء والفطنة والإلهام والموهبة والنبوغ والتفوق والإرادة والصبر.
* تنسب العبقرية إلي واد "أو جبل أو قرية" بالجزيرة العربية تسكنه الجن من سالف الزمان. قيل انه باليمن وعلي حدودها الشرقية مع سلطنة عمان أو بالقرب منها وقيل في نجد أو أماكن أخري وهناك روايات كثيرة في الكتب القديمة عن هذا المكان وسكانه وقيل ان عبقر هو كبير من الجن أو نابغة شعرائهم.
قالوا ان من يمر علي هذا المكان ويقضي به ليلة واحدة. يأتيه شاعر من الجن أو شاعرة يلقنه أو تلقنه الشعر.
وكان العرب يعتقدون ان لكل شاعر من فحول شعراء الجاهلية قرين من الجن يلقنه الشعر.
- امرؤ القيس قرينه: لافظ بن لاحظ
- وعبيد بن الأبرص: هبيد بن الصلادم
- وعنترة بن شداد: جالد بن ظل
- والنابغة الزبياني: هاذر بن ماهر
- الكميت بن زيد: مدرك بن راغم
- الأعشي ميمون: مسحل السكران بن جندل
- الحارث بن معتاض: السفاح بن الرقراق
وكان ميلاد شاعر جيد في القبيلة حدثاً كبيراً تقام له الأفراح فهو المتحدث بلسانها ومؤرخ أمجادها ومادح فرسانها وقادح أعدائها.
لم تعرف العرب وصف العبقري في الجاهلية وأطلقت ألقاباً أخري علي المتفوقين منها: النابغة كما هو الحال مع زياد بن معاوية الذي يكني بالنابغة الزبياني "535 - 604م" لمهارته في قول الشعر ونبغ الماء: تدفق ونبغت الحمامة: ارتفع صوتها بالغناء.
* وفي القرآن الكريم: "متكئين علي رفرف خضر وعبقري حسان" "الرحمن 76".
ويقول علماء التفسير انها وسائد وبسط أهل الجنة الملونة المزخرفة.
* وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه. عن رؤيا النبي صلي الله عليه وسلم قال عليه الصلاة والسلام في فضل عمر بن الخطاب: "لم أر عبقرياً يغري قربه" أي لا نظير له في إنجاز الأعمال.
والعبقري هو الممدوح من الرجال لعلمه وأدبه وشجاعته وقوته أو مكانته في قومه ويطلق أيضاً علي أولاد السلاطين والملوك.
وفتاة عبقر أو عبقرة أو عبقرية: فائقة الحسن والجمال.
والجمع المذكر: عباقرة والمؤنث: عبقريات.
والعبقري كل كامل فريد فائق نادر متقن في صفته. يسر الناظرين.
والعبقري أول ما ينبت من أصول القصب ونحوه.
وشاب عبقري: فائق الذكاء والموهبة.
وعبقر السراب: أي لمع وتألق في الصحراء فبدا كأنه محيط من الماء.
وأغلب الظن ان قصة شياطين الشعر جاءت للدلالة علي مهارة الشعراء وتفوقهم في قول الشعر وحفظه ويظهر ذلك واضحاً من اسم كل قرين. علي سبيل المثال قرين امرئ القيس "لاحظ بن حافظ الذي يشير إلي الموهبة والفصاحة والبيان".
وللأديب والمفكر عباس محمود العقاد سلسلة من الكتب تحمل اسم "العبقريات" بحث فيها عن مفاتيح شخصيات أصحابها ودورهم في خدمة الإنسانية "سبعة كتب"!
وهي بترتيب كتابتها: عبقرية محمد "صلي الله عليه وسلم" وعبقرية عمر والصديق وعثمان والإمام علي وخالد وعبقرية المسيح "عليه السلام" وتشيرلي لامبروزو طبيب وعالم نفسي إيطالي "1835 - 1909م" له دراسات في العبقرية وأمارات الموهوبين وأيضاً في علم الإجرام وعلامات الجانحين والخارجين علي القانون يقول إن من علامات العبقرية أن يكون الإنسان فارع الطول أو بائن القصر. غزير الشعر أو نزيرة "قليلة". يستخدم يده البسري أو كلتا يديه.
تحدث شعراء العرب عن العبقرية ومشتقاتها وشبهوا فرسانهم وأبناء قبائلهم بجن عبقر في قوتهم وشجاعتهم من بينهم لبيد وزهير وحاتم الطائي.
يقول لبيد:
ومن فاد من إخوانهم وبنيهم
كهول وشيبان كجنة عبقر
- أي الرجال والشيوخ
وقال أحد الشعراء
إني وكل شاعر من البشر
شيطانة أنثي وشيطانة ذكر
ويقول الكاتب الشاعر الهجري اللبناني جبران خليل جبران "بين الجنون والعبقرية خيط أرفع من نسيج العنكبوت".
وعلي امتداد العصور تباري العلماء والأدباء والشعراء والحكماء والزعماء في تعريف العبقرية وخلاصة أقوالهم انها مزيج من الجد والاجتهاد والفطنة والذكاء والموهبة والإلهام والإصرار والاستمرار.
والعباقرة هم خلاصة الخلاصة من بني الإنسان تتقدم الأمم باكتشافهم ومعرفة قدرهم والاستفادة من علمهم وحكمتهم وتتخلف بإهمالهم والحط من شأنهم والسخرية منهم والتطاول عليهم.