بعد غياب طويل عادت بريطانيا إلى دول الخليج عندما شاركت «تيريزا ماى»، رئيسة الوزراء كضيف شرف فى القمة السابعة والثلاثين لمجلس التعاون الخليجى والتى عقدت فى السابع من الشهر الجارى فى المنامة. جاءت كلمتها أمام القمة بمثابة طمأنة لدول الخليج ودلالة على أن بريطانيا ستكون بديلاً لأمريكا فى المنطقة خاصة بعد القلق المتزايد من سياسات الرئيس أوباما حيالها. وآخرها إعلان أمريكا بأنها سوف تحد من مبيعات الأسلحة للسعودية بسبب المخاوف الأمريكية حيال ما نجم عن عاصفة الحزم، وهو التحالف الذى قادته السعودية ضد الحوثيين فى اليمن والذى أدت غاراته إلى سقوط مدنيين من اليمنيين، ومن ثم أكد مسئول فى البنتاجون أن الأسلحة المتطورة الدقيقة التوجه لن تسلم للسعودية. مهد لذلك أوباما عندما سبق وأعرب عن قلقه من الأخطار الناجمة جراء الضربات الجوية فى اليمن والتى بلغت حد المأساة المفجعة عندما استهدفت طائرات «عاصفة الحزم» مجلس عزاء فى صنعاء فى الثامن من أكتوبر الماضى والذى راح ضحيته أكثر من 140 قتيلا. ولقد أقرت السعودية بأن قصف المجلس جاء عن طريق الخطأ وعرضت سداد تعويضات لأسر الضحايا.
ولم يكن هذا الخطأ الأول من نوعه، فعلى مدى العشرين شهراً الماضية وهو عمر تحالف الحزم تكرر قصف المواقع المحظورة من مساجد إلى مدارس ومستشفيات. لهذا خرجت أمريكا لتتضافر مع منظمات دولية انتقدت هذه الحرب التى تسببت فى سقوط آلاف القتلى وحولت اليمن السعيد إلى يمن بائس حزين، وجاء هذا فى محاولة أمريكا تبييض صفحتها، ومن ثم بادر المتحدث باسم مجلس الأمن القومى الأمريكى ليؤكد (عزم أمريكا على عدم مد المملكة بأسلحة متطورة، وأن بلاده سبق وحذرت السعودية من أن التعاون الأمنى ليس شيكاً على بياض) ثم أردف قائلاً: «إلا أن أمريكا ستواصل تزويد الرياض بالمعلومات الاستخبارية التى تركز على الأمن على حدود البلاد كما ستوفر تدريباً للطيارين السعوديين المشاركين فى الضربات الجوية فى اليمن لتفادى سقوط ضحايا مدنيين». فى الوقت نفسه ستمضى أمريكا فى تنفيذ العقود المبرمة بينها وبين المملكة وبموجبها ستحصل السعودية على صفقة طائرات عسكرية وقيمتها ثلاثة مليارات دولار. وكأنى بأمريكا هنا تريد الجمع بين الصفقة الاقتصادية والصفقة السياسية، فالمصلحة تجب كل شىء.
نتائج الحرب محبطة وتثير القلق والمخاوف لا سيما وهى التى يتم استمرارها وسط الفوضى والحروب التى تشيع فى المنطقة. إنها الحرب الخاسرة العصية التى يصعب الانتصار فيها. إنها حرب كارثية يدعم هذا ما قاله منسق الأمم المتحدة للشئون الانسانية «ستيفن أوبراين» أمام مجلس الأمن: «القتال فى اليمن تسبب فى كارثة جعلت أكثر من 21 مليون شخص فى حاجة إلى المساعدات الإنسانية، وأن البلاد على بعد خطوة واحدة من المجاعة، فالعنف الذى بدأ قبل 19 شهراً ــ أى منذ بداية عاصفة الحزم حتى الآن ـــ سلب من اليمنيين حياتهم وأمنهم فى العيش بكرامة».
ونتساءل: أما من سبيل لإيقاف هذه الحرب الكارثية التى دمرت اليمن فضلاً عن تداعياتها على السعودية نفسها حيث باتت حدودها مع اليمن فى مرمى الخطر؟ وتكفى الصواريخ التى يطلقها الحوثيون صوب المملكة نحو مدن نجران وجيزان ومناطق أخرى. إنها الحرب التى أودت بحياة خمسمائة مدنى سعودى.
وعلى الرغم من أن الرقم تتضاءل أهميته فى معرض مقارنته بالآلاف من الضحايا اليمنيين، إلا أنه يظل رقماً صادماً بالنسبة للمملكة المعروفة بالاستقرار والأمان. لا بد من وقف هذه الحرب الخاسرة التى لم تأت بآية نتائج مرضية لمن قادها تحت لافتة عاصفة الحزم وتأكد أنها لم تكن إلا عاصفة هوجاء أطاحت باليمن، وعرضت المملكة العربية السعودية للخطر.