مصطفى بكرى
لماذا الحرب على البرلمان؟
منذ انتهاء الانتخابات البرلمانية الأخيرة فى عام 2015، والحرب لم تتوقف ضد البرلمان، افتعال الأزمات، تشويه المواقف، الاتهام بالتقاعس، الهجوم غير المبرر على رئيسه المنتخب، الكذب، التحريض ضده، تصدير صورة غير حقيقية عن أفعاله وأعماله.
كانت البداية عندما بدأ مجلس النواب مناقشة ما يقارب الأربعمائة قانون، والانتهاء منها فى مدة زمنية نص عليها الدستور لا تتجاوز خمسة عشر يوماً، اجتهد المجلس، عقد جلساته دون توقف استعرض قرارات بقوانين صدرت فى غيبته، وفى النهاية أنجزها حسب الموعد المحدد، ساعتها خرج البعض فى الصحافة والإعلام يتهم البرلمان بأنه «سلق» القوانين، وراح البعض منهم يطل علينا من الفضائيات مستعرضاً وساخراً «كيف استطاع البرلمان سلق كل هذا الكم من القوانين فى خمسة عشر يوماً»، مع أنه لو أمعن النظر فى الدستور لأدرك أن التزام المجلس بالموعد المحدد يحسب له، وليس عليه.
وبالرغم من أن هذا المجلس يعد واحداً من أهم المجالس البرلمانية فى تاريخ مصر، لتمثيله للفئات الاجتماعية المختلفة وتحديداً (الشباب، المرأة، الأقباط، متحدى الإعاقة)، فإن وسائل الإعلام المختلفة راحت تتقول عليه، وتزعم أنه سقط فى قبضة الحكومة، وأنه لا يعبر عن طموحات الشعب المصرى.
وحتى فى اللحظات التى اختلف فيها المجلس مع الحكومة ورفض الموافقة على بعض قوانينها وإجراءاتها (قانون الخدمة المدنية مثالاً)، فإن البعض راح يحدثنا عن أن هذه تمثيلية متفق عليها، رغم أن البعض منهم رفع المجلس إلى عنان السماء، وقال لقد أثبت البرلمان أنه بحق معبر عن الشعب المصرى.
وسعى بعض الإعلاميين تحديداً إلى محاولة النيل من رئيس هذا المجلس د. على عبدالعال ولم يفرقوا بين النقد والإهانة، فراحوا يسخرون من إدارته للمجلس، ويحملونه مواقف وتصرفات تعمدوا إساءة فهمها، وتصديرها إلى المشاهدين، باعتبارها حقائق دامغة، واستغلوا فى ذلك رفض الرجل التقدم ببلاغات ضد كل من يسىء إليه شخصياً أو إلى البرلمان، لم يراجعوا أنفسهم قيد أنملة، بل تمادوا حتى نهاية المطاف.
لقد تناسى البعض العديد من مواقف نواب المجلس، ومواجهتهم للحكومة واستخدام الأدوات الرقابية فى مواجهتها وراحوا يحملونه أيضاً المسئولية الكاملة عما آلت إليه أحوال البلاد، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، وما نتج عنها من غلاء الأسعار، وقال البعض كان يجب على البرلمان أن يسحب الثقة من الحكومة ويأتى ببديل عنها.
إن البعض لا يضع حساباً للظروف التى تمر بها البلاد، ويرى أن الحل هو فقط فى العصف بالحكومات الواحدة تلو الأخرى، دون النظر بموضوعية إلى أسباب الأوضاع الصعبة التى تمر بها البلاد، والتراكمات المتعددة الموروثة، والحصار الاقتصادى المفروض، وهذه نظرة قاصرة، لا تؤدى إلى حلول ناجعة، أو مواجهة حقيقية للأزمة.
ومنذ عدة أشهر، كان البرلمان فى اختبار حقيقى مع نفسه، لقد وافق على تشكيل لجنة لتقصى الحقائق حول فساد القمح، واستطاعت هذه اللجنة على مدى أكثر من شهر أن تكتشف وأن تعلن للرأى العام حقائق دامغة حول فساد منظومة القمح، وأن تنجح فى رد أكثر من نصف مليار جنيه إلى حسابات خزينة الدولة، بل أن تجبر وزير التموين السابق على تقديم استقالته، وأن تحيل الأمر إلى الأجهزة القضائية.
وقد حدث تحول كبير فى الرأى العام لصالح البرلمان بسبب هذا التقرير وما تمخض عنه، ولكن بعد قليل، عادت ريمة لعادتها القديمة، كما يقول المثل، إذ توالت الحملات المغرضة التى تحرض ضد البرلمان وتتهمه باتهامات عديدة، لا تمت إلى الموضوعية بشىء.
وكان آخر هذه الاتهامات ما ساقه أحد الإعلاميين فى برنامجه الفضائى، عندما راح يؤكد كذباً أن البرلمان بصدد مد فترة حكم الرئيس السيسى وتعديل النص الدستورى الذى يحدد المدة، وبدأ يوجه اتهاماته لمجلس النواب بالنفاق والخداع وغير ذلك من المصطلحات التى زادت من حالة السخط الجماهيرى.
وبالرغم من أن البرلمان، ورئيسه، راحوا يكذبون هذه الادعاءات فى إحدى جلساته، فإن الإعلامى الذى رددها لم يراجع نفسه ويوضح الحقائق ويبدى اعتذاره للرأى العام، بل راح يتجاهل كل شىء ويردد نفس الادعاءات والأقاويل الكاذبة.
إن أحداً لا يستطيع أن يقول إن أداء البرلمان المصرى وصل إلى حد الكمال، بل هناك عيوب عديدة، وممارسات خاطئة لا يمكن إنكارها، ولكن البعض لا يرى سوى السلبيات، يسعى إلى تضخيمها وإعادة إنتاجها من الصورة إلى الإجراءات ويبدأ فى إعداد «منصة» إعلامية يومية ينطلق منها وكأنه يحرض على هدم هذا البرلمان، أو إفقاده ثقة الجماهير، أو تصويره بمظهر العاجز عن أداء دوره والقيام بمهمته.
وبالرغم من أن الجميع يدرك أن هذا البرلمان مستهدف منذ البداية، شأنه شأن مختلف مؤسسات الدولة المصرية التى يراد إسقاطها، وأن هناك أموالاً ساخنة تم دفعها للعديد من المنظمات والأفراد بقصد القيام بهذه المهمة، ومحاولة استقطاب عناصره ودفع الأوضاع بداخله إلى الاحتدام، وهو ما حذر منه د. على عبدالعال رئيس البرلمان أكثر من مرة فى جلسات عامة ومتعددة، فإن الترصد كان هو سيد الموقف.
لقد حاز هذا البرلمان على ثقة العديد من دول العالم وشهدت قاعاته زيارات قادة ووفود من أرجاء الدنيا، تقديراً وتعبيراً عن الاحترام الدولى لدور هذا البرلمان، إلا أن ذلك لم يأتِ ولو مرة واحدة فى حسبان هؤلاء الذين كانت مهمتهم الوحيدة وما زالت هى التصيد والتحريض.
وإذا كان البعض يتخذ من ائتلاف «دعم مصر» وسيلة للهجوم أيضاً، فإن الحقائق تقول إن هذا الائتلاف أو غيره لم يقف أبداً حائلاً دون حق الأعضاء فى الإعراب عن مواقفهم، وممارسة أدوارهم المنوطة بهم.
إن مجلس النواب المصرى، سيظل واحداً من أهم إنجازات خارطة المستقبل التى أعقبت ثورة الثلاثين من يونيو، جاء فى ظروف صعبة، ليواجه تحديات مهمة وتاريخية، فكان وسيظل دوماً أحد أهم آليات الشعب فى المواجهة.
لقد تعددت آليات مواجهة الدولة المصرية، والسعى إلى إسقاطها، والحرب الإعلامية التى تنطلق من منصات متعددة هى واحدة من أهم ما أكدته حروب الجيل الرابع، التى استهدفت التفكيك والتفتيت، لذلك كان الهدف الحقيقى من وراء هذه الحملات الممنهجة إثارة الفوضى داخل البرلمان والتحريض من خارجه ومحاولة استقطاب عناصره للقيام بمهام محددة فى إطار هذا المخطط، تمهيداً لحله أو إسقاطه.
إن التقييم الموضوعى لمجلس النواب المصرى فى دور انعقاده الثانى، يؤكد أننا نمضى إلى الأمام، وأن البرلمان نجح فى أدائه أن يكون صوتاً حقيقياً للشارع المصرى، فتجده حاضراً فى كل الأزمات التى كان آخرها «السيول».
إن بناء مؤسسات الدولة هو واحد من أهم الأهداف التى أعلن عنها الرئيس عبدالفتاح السيسى مع بدء ترشحه للانتخابات الرئاسية، وبنظرة موضوعية للأمور ندرك أننا نمضى إلى الأمام، وأن الحروب المعلنة ضدنا تأخذ أشكالاً ووجوهاً متعددة، والتشكيك فى البرلمان والتحريض ضده، هما اثنان من تلك الوجوه، لذلك يتوجب الرد والمواجهة!!