صلاح الحفناوى
مناحة "سكرية".. ووطنية غنائية!
عظيمة يا مصر.. مصر هي أمي.. يا حبيبتي يا مصر.. هل يوجد شعب في العالم يغني لوطنه كما نفعل.. هل توجد دولة يحفظ شعبها آلاف الأغاني والأناشيد التي تمجد اسمها وتطلق مشاعر الوطنية الغنائية.. كما يحدث في المحروسة.. وبحسابات الألحان والأنغام نحن أكثر شعوب الأرض عشقاً للوطن.. فهل نحن حقاً كذلك؟
نحن نغني للوطن حتي الصباح ونستريح من الغناء في مواقع العمل التي نتوجه إليها متعبين مجهدين من السهر الغنائي الوطني اليومي علي المقاهي وأمام شاشات التليفزيون أو الكمبيوتر حيث تخلو الوطنية في جلسات "الشات" علي مواقع التواصل الاجتماعي.. نحن نعشق الوطن بنفس قدر عشقنا للفوضي التي أصبحنا نمارسها كل يوم في كل مكان.. نحن نعشق الوطن بالكلام وليس بالفعل.
الوطن الذي نعشقه يعيش حالة حرب حقيقية.. يسقط علي أرضه كل يوم شهداء يجودون بحياتهم من أجل حمايتنا من الإرهاب الأسود ومن مؤامرات دول لا تقبل لمصر أن تسترد عافيتها وتستعيد مكانتها التي اضاعتها فوضي الحرق والبذاءة.. فيما يتباكي عشاق الوطن علي ارتفاع أسعار السكر.. فعاشق الوطن في زمن فرضت عليه فيه الحرب لا يستطيع الاستغناء عن الكنافة والكيك وأصناف الحلوي الشهية.
عشاق الوطن تخلوا عن الإنتاج لصالح الاستيراد.. لا يقبلون بغير الفول السعودي والأجبان التركية وسجاد الصلاة والأحذية والملابس الصينية.. عشق الوطن أعمانا عن حقيقة المؤامرة التي استهدفت السياحة التي تمثل أهم مصادر العملة الصعبة للأسف.. لأسباب واهية وحجج مفضوحة.. أعماهم عن حقيقة تراجع تحويلات المصريين بسبب الاستغناء عن خدمات الآلاف في دول الخليج نتيجة تراجع أسعار النفط وبسبب جهود هذه الدول لإتاحة فرص العمل لأبنائها.
توقف السياحة.. تراجع التحويلات.. فوضي الاستيراد.. انعدام التصدير تقريباً.. حيث لم يعد لدينا ما نصدره سوي بعض الحاصلات الزراعية ومنتجات ثانوية لا توفر لنا من العملة الصعبة ما يعادل عشر ما نستورد به.. هذا الواقع المؤلم غائب تماماً عن تفكير عشاق الأغاني الوطنية ومناضلي الفيس بوك وتويتر وسائق التوك توك الفصيح.. الحرب والحصار لا تشفع للوطن عند عشاقه.. فلا أحد يريد أن يضمد جراحه ولا أحد يتحمل تبعات الجراحة الاقتصادية الصعبة لانقاذ ما يمكن انقاذه.
تجار العشق المسموم يروجون الشائعات ويثخنون جسد الوطن بالجراح ويشككون في كل شيء وأي شيء.. فهل هناك شعب يعشق وطنه مثلنا؟.. لا أظن.