جمال سلطان
الوعي المزيف عن مأساة سوريا
خمسون ألف مواطن سوري محاصرون في عدد من الأحياء الشرقية لمدينة حلب التي ما زالت تحت سيطرة المعارضة ، لا غذاء ولا دواء ولا أي شيء من معالم الحياة تتوفر لهم هناك ، وشوارع الأحياء وبيوتها تذكرك بالمدن الألمانية والبريطانية في نهاية الحرب العالمية الثانية أطلال وبقايا خرائب ، وكل طموح هؤلاء المدنيون أن يخرجوا من المدينة إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة خارج حلب أو إلى تركيا قبل تسليمها للنظام بموجب الاتفاق ، خمسون ألف مواطن مدني سوري يهربون من جيش بشار ونظامه ، ينظرون إليه كقوة احتلال وعدوان وتدمير وذبح وتخريب ، ومع ذلك تجد هناك بعض "النشطاء" الذين يقولون لك أن سوريا مختطفة من الإرهابيين ، من داعش والنصرة ، خمسون ألف طفل وامرأة وشيخ أمام أعين العالم كله يهربون من بشار ونظامه ، والمغيبون ذهنيا يقولون لك أنهم يهربون من داعش والنصرة ، الأمم المتحدة ومجلس الأمن على مدى أيام ينددون بمذابح بشار والميليشيات الشيعية المتحالفة معه والقوات الروسية ضد الشعب السوري في حلب ، وتجد "محششين" يحدثونك عن داعش والنصرة ، وبطبيعة الحال لا أحد في العالم يدافع أو يسوغ أو يتقبل داعش أو النصرة ، وهناك إجماع عالمي على أنها تنظيمات متطرفة وإرهابية ، ولكن أن تستخدم ستارة لإخفاء "الراعي" الأكبر للإرهاب في سوريا ، بشار الأسد ، ودموية نظامه وإجرامه في حق شعبه ، فتلك فضيحة حقيقية . لا تتوقف الصورة المخيفة عند هذا الحد ، بل إنه عندما توصل الروس والأتراك إلى اتفاق لإخلاء تلك الأحياء من المدنيين المحاصرين ومسلحي المعارضة اعترضت قوات "الجيش العربي السوري" الحافلات واختطفت عشرة من المدنيين من الحافلات وصفتهم بصورة وحشية ومروعة ، والفيديوهات متوفرة لمن أراد مشاهدتها ، أحدهم ضربوه في رأسه بدفعة رشاش آلي ليفجروا رأسه ، رغم أنه يموت بطلقة واحدة في الرأس ، ولكنها الوحشية والأحقاد التي أفزعت العالم ، إلا بعض "المحششين" في بلاد العرب الذين يحدثونك عن القائد المقاوم القومي بشار الأسد !! ، وقد فعل بشار وجيشه ذلك ومنع حافلات المدنيين من الخروج بعد أن فرض شرطا جديدا للسماح بخروج المحاصرين من حلب ، وهو أن يتم خروج عدة آلاف من الشيعة المحاصرين في بلدتين سوريتين في محافظة إدلب : الفوعة وكفريا ، وهما منطقتان تحاصرهما قوات المعارضة حيث يتحصن فيهما عدد كبير من مسلحي حزب الله اللبناني وميليشيات عراقية وبعض قوات بشار ، ولك أن تتخيل حاكما يتخذ خمسين ألف مواطن مدني من شعبه رهائن لحين الإفراج عن عدة آلاف آخرين في منطقة أخرى من طائفة أخرى ، حاكم يتعامل مع شعبه على الفرز الطائفي ، جهارا نهارا ، أطلقوا الشيعة نطلق لكم السنة ، وكلهم مواطنون سوريون ، هل هناك فجور للاستبداد والحكم الطائفي أحط من ذلك . خطيب الجمعة في أكبر مساجد طهران ، آية الله محمد إمامي كاشاني ، زف البشرى لمستمعيه في خطبته هذا الأسبوع وقال أن المسلمين انتصروا على الكفار في حلب ، لكن آلة الدعاية الطائفية لا تتوقف عن وصف المعارضة السنية بأنها "التكفيرية" ، أحدهم سخر من وصف آية الله كاشاني أهل حلب بالكفار وقال : متى ستجعلونهم يدفعون الجزية ؟! ، وبطبيعة الحال ، فإن الميليشيات التي كانت تحاصر حلب كلها شيعية طائفية ، إيرانية وعراقية ولبنانية وأفغانية وباكستانية ، ولكن العمى لدى البعض يرى أنهم قوى الممانعة والمقاومة ، وقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ذهب يتفقد حلب "المحررة" بعد المعركة ، بوصفه قائد الانتصار ، ولم يذكر كثيرون أن فيلق "القدس" الذي تأسس قبل خمسة وثلاثين سنة ، لم يطلق رصاصة واحدة من أجل القدس ولا تجاه القدس ، وكل معاركه في العراق وسوريا واليمن فقط ، في بلاد العرب ، وكانت من أجل المصالح القومية الإيرانية والتمدد الطائفي المصاحب لها ، المعارك التي قادها فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني في العراق كانت تحت قيادة "الشيطان الأكبر" أمريكا ، وبمظلة طيرانه الحديث وبمدد من أحدث الأسلحة الأمريكية ، لكن البعض يصر على أن الحرس الإيراني "محور مقاومة" ضد الأمريكان والصهاينة ! ، الميليشيات الشيعية تنتقل بعشرات الآلاف إلى سوريا على حدود إسرائيل ومدد من التسليح الرهيب من روسيا وإيران ، لكن إسرائيل هادئة وسعيدة بما يجري ، لأن كل خطوة تتم بالتنسيق بينها وبين القوات الروسية في سوريا ووفق المصالح الإسرائيلية ، وهناك لجنة تنسيق مشتركة للعمليات هناك بين موسكو وتل أبيب لإدارة العمليات في سوريا ، وإذا لعب أحدهم بذيله تقوم الطائرات الإسرائيلية بتأديبه بغارة ساحقة دون أن يجرؤ أحدهم على الرد بطلقة واحدة ، ومع ذلك يحدثونك عن أن هذه الميلشيات الشيعية الطائفية ذهبت إلى سوريا لتمهيد الطريق للقدس ، لأن الطريق إلى القدس يمر أولا بحلب وحماة وحمص والقصير والزبداني ثم الموصل وبغداد ثم المنامة ثم صنعاء ، سخافات أصبح من العبث حتى أن تفندها ، لأن هذا مهين للعقل والضمير .