أمام الحكومة الآن فرصة هائلة للخروج من مسلسل الأزمات التي حشرت نفسها وحشرتنا فيها.. فقد جاءها علماء مصر في الخارج.. وقدموا لها حزمة من المشروعات المدروسة والأفكار الآتية من خارج الصندوق للانتقال بالبلد من حالة التوتر والقلق والجمود إلي الانفتاح والحركة والتفاؤل.. ويبقي علي الحكومة أن تكون علي نفس المستوي من القدرة علي تحويل هذه الأفكار إلي واقع ملموس بما يغير حياة الشعب للأفضل.
الأمر بالطبع لن يكون سهلاً.. فمشكلتنا الكبري منذ زمن بعيد هي التنفيذ.. لدينا الأفكار. ولدينا الرغبة.. لكن لا ننسي أن لدينا أيضاً أعتي نظام بيروقراطي قادر علي إيقاف "المراكب السائرة" وتعطيل المشروعات الجادة أو تخريبها.. لذلك فالحكومة الآن في اختبار كبير.. إما أن تكون علي قدر التحدي للخروج من الأزمات المتتالية بالمشروعات الطموحة. أو تظل علي حالها ولا تفكر في أكثر من فرض المزيد من الضرائب ورفع الأسعار.
المشروعات التي قدمها علماء مصر في الخارج في المؤتمر الوطني الذي استضافته مدينة الغردقة تحت عنوان "مصر تستطيع" مبشرة بالخير الكثير.. هي فقط تحتاج إلي عقول متفتحة وأيادي غير مرتعشة. وضمائر يقظة من أجل التنفيذ.. وتحتاج إصلاحات تشريعية لرفع القيود البيروقراطية التي تتعامل بها الحكومة مع الأفكار الجديدة منذ آلاف السنين.
لقد بدأت دول كثيرة نهضتها من أفكار طموحة وغير تقليدية كتلك التي قدمها علماء مصر.. الصين أقرب مثال لذلك. وكوريا الجنوبية وماليزيا.. هذه الدول تغلبت علي مشاكلها بحلول جذرية وواقعية.. ليس فيها بالطبع الفهلوة وترديد الشعارات والأغاني الساذجة.. وإنما فيها قواعد محددة وجداول للتنفيذ بمواقيت صارمة ورقابة مشددة علي الجودة وأساليب التشغيل إلي جانب منظومة متكاملة لمحاربة الفساد والمفسدين. وخلق مناخ صالح للعمل والإنتاج والنجاح.
باختصار كانت هناك روح جديدة ناهضة.. وهمة عالية.. لتحويل الأحلام إلي واقع.. تخلص البلد من مشاكله الصغيرة المعوقة.. وثاراته الداخلية.. وحروبه الأهلية.. وتقضي علي حملات الكراهية والتخوين. حتي يتفرغ للبناء والعمل والإنتاج.
من أهم المشروعات التي طالب بها علماء مصر. الاهتمام بالاستثمار في محور قناة السويس.. ووضع استراتيجية متكاملة لتنمية هذه المنطقة. حتي تصبح جاذبة للاستثمار.. وهذا يتطلب ـ كما قالوا ـ التزاماً قوياً من كل الأطراف. أصحاب المصلحة بأن يتكاتفوا لإنجاحها.
وطالبوا أيضاً بالتوسع في إنشاء المحطات الشمسية الحرارية.. واستخدام الطاقة الشمسية في تحلية المياه والزراعة.. ودعم وكالة الفضاء المصرية.. وإنشاء مدينة علمية كبري في أسوان تقدم خدماتها البحثية والمجتمعية بالمجان لكافة فئات الشعب.
وقد توقفت كثيراً أمام دعوة العلماء إلي إنشاء هيئة وطنية تابعة لوزارة التعليم العالي للاهتمام بتبني سياسات لرعاية أفكار الشباب المبتكرين. وتسويق أفكارهم. والاهتمام بإنشاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر في محور القناة. ومركز للدعم اللوجستي.. وإنشاء مركز البنية التحتية للتنمية في محور القناة.
لو كانت الحكومة جادة فعلاً لوضعت جدولاً زمنياً لتنفيذ هذه الأفكار. تدريجياً.. وعندما يأتي العام القادم.. ويعود العلماء إلينا ثانية يجدون شيئاً ولو يسيراً من اقتراحاتهم قد تحقق علي أرض الواقع.. فيملؤهم الأمل.. ويزدادون ثقة في جدية الحياة.. والرغبة في التغيير.
أخشي أن ينفض المولد ويعود العلماء إلي أعمالهم.. ونعود نحن إلي طبيعتنا.. فلا تنفيذ ولا متابعة.. ونكتفي بالمهرجان الذي حدث.. ولو عدنا إلي كثير من الفعاليات التي انطلقت خلال 2016 سنجد عجباً.. كلاماً كثيراً وحصاداً قليلاً.. قليلاً جداً.