الوطن
محمد صلاح البدرى
جولات الملاكمة الإقليمية!!
١- فى كل نواحى المعمورة، وفى كل الأزمنة، ستجد الحلال والحرام، ستجد الطيب والشرير، والصواب والخطأ!

لا يختلف الأمر من مجال لآخر، أو من مكان لغيره على ظهر الأرض، فقط هى السياسة التى لن تتمكن أبداً أن تميز فيها -وبكل ما أوتيت من فطنة- بين النقيضين!

لن يمكنك أن تحدد أين الصواب وأين الخطأ، ولا أن تقرر أن الحق مع طرف ما وغيره باطل، لن تتمكن من أن تقرر أبداً أن أحدهما ملاك ينثر بركاته أو شيطان يوزع لعناته!

الكل يقرر من وجهة نظره الخاصة التى تتوافق مع مصالحه وتوجهاته وخططه المستقبلية!

فمن اختلفت معه اليوم ربما تتحالف معه غداً، ومن يكرهك اليوم قد يتغنى بحبك غداً!

يقولون إن الدعارة هى أقدم مهنة فى التاريخ، ولكننى أعتقد أن السياسة قد تسبقها قليلاً!!

٢- فى خبر عاجل على وكالات الأنباء العالمية منذ بضعة أسابيع، أعلنت المملكة أن صاروخاً حوثياً كان يستهدف «الحرم» قد تم اعتراضه من قبَل قوات الدفاع الجوى السعودية!

لقد انزعج الجميع من الخبر الذى يشى بتطور واضح على صعيد العمليات العسكرية اليمنية، وانتهاك لحرمة لم يختلف أى من الأطراف المتصارعة عليها من قبل، حتى فى أشد أوقات الصراع!

لقد أدرك الجميع بعدها أن الصاروخ كان يستهدف جدة وليس مكة من الأساس!، ولكن المملكة لم تفوت الفرصة أن تصرخ فى وجه الجميع بأنها تمتلك المقدسات الإسلامية!!، ولن تفعل أبداً!!!

تحاول المملكة أن تذكّر العالم الإسلامى كل فترة أنها تملك ما ينبغى أن يدافعوا عنه جميعاً، وأن سقوطها فى مستنقع اليمن أو أدغال سوريا لا ينبغى أن تترك فيه وحيدة، من منطلق دينى وليس سياسياً كما ينبغى أن يكون!

٣- تظل دوماً فرضية تطابق التوجه السياسى مع الحليف هى الحاكم لعلاقات المملكة الخارجية، فالأسرة -حديثة العهد بالتحالفات والتكتلات الخارجية وتوجهات الحلف والند- تظن أن القاهرة ستناصر مواقفها أياً ما كانت، وأنها ستصوّت لصالح مصالحها دون تفكير، ودون اعتبار لمصالحها الخاصة، وكأنها تابع أمين، وهو ما أصاب العلاقات بين الرياض والقاهرة بتوتر شديد على خلفية التصويت المصرى لصالح المشروع الروسى فى مجلس الأمن منذ عدة أشهر.

ربما كان ذلك الموقف وحده هو ما دعا المملكة لإيقاف شحنات البترول لمصر، كما كان السبب أيضاً لبعض التصرفات غير المفهومة أو المستنكرة من المملكة، كزيارة مستشار الملك «السابق» لإثيوبيا منذ عدة أيام.

كلها تصرفات وإجراءات تشى بمحاولة إظهار القوة، أو الضغط بصور غير مباشرة على الجانب المصرى، ولكن ما نستطيع قوله إنه يمكن اعتبار ذلك الخلاف تحديداً حدثاً فاصلاً فى العلاقة بين الدولتين، فما بعده لن يصبح كما كان قبله أبداً!

٥- تمتلك المملكة يقيناً ذاتياً أنها الأقوى على الأرض بحسابات الثروة والنفوذ، ولذلك فهى تمنح وتمنع عن حلفائها وخصومها من عطاياها كما تشاء، كما تؤمن أن البترول، الذى لم تعد تملك منه الكثير، ما زال يؤثر فى القرار السياسى للعديد من الأطراف من حولها، لذا فهى تستخدمه برعونة وكبرياء فى تعاملاتها الإقليمية مع دول الجوار، خاصة مصر!

تصر المملكة على فتح جبهات صراع جديدة مع القاهرة لسبب لا يعرفه أحد، حتى إن الأمر قد أصبح يحتاج إلى اقتراب أصحاب العقول بها سريعاً من أصحاب القرار لتحجيم الهياج الذى تتعامل به مع الجميع!

لن ينجح السلاح البترولى أو تحركات المملكة الخارجية أن تثنى مصر عن موقفها فى سوريا، ولكنه ربما يجعل الأزمة تزداد فى المملكة إذا قرر الجانب المصرى المعاملة بالمثل، وهو ما سيجعل المملكة تحيا أسوأ كوابيسها على الإطلاق!

ستحصل مصر على البترول بسهولة، وستتمكن من الحفاظ على حصتها المائية فى نهر النيل، ولكنها لن تنسى أن تعلم أولادها فى كتب التاريخ أن الملك فيصل قد قطع البترول السعودى عن أمريكا فى حرب أكتوبر، بينما قطعه الملك سلمان عن مصر فى أزمتها الاقتصادية فى ٢٠١٦.

٦- الصراع بين النظامين المصرى السعودى لا يزال فى بدايته، ربما يتأثر بهدنة مؤقتة أو يشتعل بتوتر محموم بعض الوقت، إلا أنه لن ينتهى بقطيعة أو حتى بتطابق كامل فى وجهات النظر!

ستظل المملكة تستجدى الجميع بصورة الحرمين على شاشاتها التليفزيونية، أو تعرض عليهم هباتها البترولية فى مقابل الدعم السياسى فى معاركها الخارجية، وستظل مصر تحافظ على المسافة بينها وبين الجميع لاعتبارات تاريخية ومسئولية الأخت الكبرى التى تحملتها منذ فجر التاريخ!

المعركة السياسية لن تنتهى بانتصار وهزيمة فى موقف أو اثنين، ولكنه صراع سيمتد عقوداً من وجهة نظرى، صراع يعتمد على الفوز بفارق النقاط وليس بالقاضية كما يحدث فى مباريات الملاكمة!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف