على هاشم
الشعراوي مجدداً.. وحقيقة ارتباك الحكومة!
في مثل هذا الشهر قبل 104 أعوام ولد الشيخ محمد متولي الشعراوي.. وهو ما يعيدنا إلي آراء إمام الدعاة. ومواقفه من السلطة والإسلام السياسي. والزهد في المناصب. وهي القيم التي نفتقدها حتماً في زماننا.. فماذا كان فضيلته سيقول لو رأي ما يحدث بسيناء من قتل وإرهاب تمارسه جماعات باسم الدين. ينتمي بعضها إلي تنظيم القاعدة وداعش. وتنحدر كلها من جذور جماعة الإخوان التي ترفع السلاح في وجه الشعب وجيشه وشرطته. وتكفر بالدولة الوطنية. ولا تعرف إلا الانتماء عابر الحدود والقارات. ولا تعرف للأوطان حدوداً ولا حرمة بل تكفر بالمواطنة وتتملق الديمقراطية. وتتخذها سلماً للسلطة حتي إذا ما ظفرت بالحكم تخلصت منها ومن الداعين إليها والمؤمنين بها.. كما حدث في العام الذي حكموه.
* ماذا كان الإمام سيقول لو أنه رأي أحزاباً دينية تتشكل بعد الثورة يزاحم بعضها بعضاً. وهو القائل "أتمني أن يصل الدين إلي أهل السياسة. لا أن يصل أهل الدين للسياسة".. ماذا يقول لو أنه رأي ثواراً لا يعرفون سوي الهدم سبيلاً للاعتراض والرفض ولا شيء آخر. ينشغلون بالماضي وحساباته وأخطائه. غافلين المغزي الحقيقي للثورة كما صاغه الشيخ الشعراوي بقوله الأثير: " الثائر الحق هو من يثور ليهدم الفساد ثم يهدأ ليبني الأمجاد".. أي أن الهدف الأسمي هو إعادة البناء. بناء الوطن والقيم وتصورات المستقبل وليس الاكتفاء بالهدم والتدمير والتشويه وإهالة التراب علي كل قيمة بدعوي انتمائها للماضي وكأن الماضي عوار كله. وفساد لا خير فيه.
* الشيخ الشعراوي كان ولا يزال الحاضر الغائب في وجدان الناس خصوصاً المتدينين المؤمنين بالوسطية. الكارهين للمغالاة في الدين والشطط والغلو والتطرف الذي يفضي في النهاية إلي جماعات التكفير من عينة الدواعش والقاعديين وغيرهم ممن ملأوا الدنيا عنفاً ودماء وقبحاً.
وسطية الإمام واعتداله وسعة فهمه وجودة اجتهاداته جعلته ملاذاً التجأت إليه ذائقة الشعب. وسارعت وسائل الإعلام تذيع طائفة من أقواله رداً علي الموجة الهائلة من العنف والتكفير التي اندلعت بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة.. وأحسب أن كلمات إمام الدعاة كانت برداً وسلاماً علي عقول المصريين وقلوبهم.. استعادوا بها روح الدين الحق. واستكانوا إلي تفسيراته واعتزازه بمصريته حين رد علي من يكفرون مصر قائلاً: من يقول عنها أمة كافرة فمن المسلمون.. من المؤمنون.. ستظل مصر رغم أنف كل حاقد هنا وخارج هنا مصر الكنانة. مصر التي قال عنها رسول الله صلي الله عليه وسلم " أهلها في رباط إلي يوم الدين ".
* لقد كان الشعراوي أمة وحده. بما قدمه من تجديد للفكر الديني وليس مجرد تجديد الخطاب. وحينما تولي أو ولّي وزارة الأوقاف. سعي إليه المنصب ولم يسع هو إليه. ولمَ لا وهو المؤمن بأن " من سعي إلي شئ وكّل به. ومن دعي إلي شئ أعين عليه ".. هذه هي حكمة الإمام في القبول بالمناصب والزهد فيها.. حيث كان عازفاً عن الجلوس في المكتب الفخيم للوزير. مفضلاً القعود علي كرسي من الخيرزان بجوار باب مكتبه. ولما سأله الرئيس الراحل أنور السادات: هل صحيح أنك لا تجلس في مكتبك يا شيخ شعراوي فرد عليه الإمام بطرفة لا تخلو من مغزي: نعم حتي إذا ما رفتموني أقول يا فكيك "..نذكر هذا لنعيد التذكير ليس بفضائل الإمام وأخلاقه وهي كثيرة جليلة بل لنقدم مثلاً ونموذجاً ل "الوزير" المدرك لحقيقة دوره. وأنه خادم للناس. فقد ولّي عليهم لكنه ليس بالضرورة أفضلهم..يقضي حاجاتهم في صمت..يخفف متاعبهم وآلامهم ويستجيب لطموحاتهم دون تعالي ولا تجبر.. فهو الزاهد في النفوذ وأبهة المنصب الذي يصيب المسئولين بالنرجسية والانحراف حين يستسلمون لغواية النفوذ. ويقعون في حبائلها.
فهل في وزارة محلب المرتبكة من هو مستعد لترك مكتبه الوثير. لينزل للناس طائعاً مختاراً. يعيش همومهم. ويعايش أحوالهم عن قرب. متحرراً من قيود الحاشية وزيف تقاريرها التي تزين القبح وتزيف الحقائق. وتوغل في البيروقراطية العقيمة التي تسيطر علي مفاصل الدولة وتحجب المسئول أي مسئول عن رعيته التي ائتمن عليها.. فلا يسمع منها شكاواها ولا يبصر آلامها.. ومن هنا تنشأ الفجوة بينهما.. فلا هو يدرك حقيقة مطالبها..ولا هي تصدق أرقامه وإنجازاته التي لا توجد سوي في خياله.. وتلك هي آفة الإدارة في مصر علي مدي عقود وعقود.. ولو تحرر المسئول من بيروقراطيته ونزل للجماهير لأمكن حل كثير من مشاكلنا المزمنة.. بالمتابعة والتقييم المستمرين.
* لا أحد يجادل أن رئيس الوزراء وقليلا من وزرائه ميدانيون بطبيعتهم ينزلون لمواقع العمل وأماكن تجمع المواطنين.. لكن المنتج النهائي ليس كما هو مأمول بل " طحن بلا طحين"..ولعل واقعة السيدة " كريمة أبو زيد " التي تعيش في بيت بلا سقف في إحدي قري الصعيد الفقير والتي ظلت تشكو لمحافظ الإقليم سوء حالها دون جدوي حتي استجاب لها الرئيس السيسي. موجهًا بإعاد بناء بيتها بقرية عرب العطيات فور قراءته لشكواها.. بينما لم يحرك المحافظ ساكناً.. الأمر نفسه تكرر بالإسكندرية مع سيدة مسنة تهدم بيتها فالتحفت بالعراء ولم يرق المحافظ لحالها.. لكن الرئيس استجاب لندائها. وأمر برعايتها في دار المسنين.. فهل ننتظر تدخل الرئيس في كل صغيرة وكبيرة ليعوض غياب المسئولين.. هل يتولي بنفسه مهام المحافظين والوزراء رغم مشاغله الكبري وهمومه العظمي..؟!
* ويبدو طبيعياً في سياق كهذا أن تنهال ألسنة النقد علي حكومة محلب هذه الأيام. فأداؤها باهت..وأياديها لا تزال مرتعشة وإنجازها ليس علي مستوي الطموح الشعبي. ولا علي مستوي تطلعات الرئيس..تركت حكومة محلب أولويات الشعب. وانشغلت بتوافه الأمور وغرقت في تصريحات متضاربة أعادنا بعضها للوراء حيث البلبلة وغياب الحس السياسي!!
* البعض يري أن أكبر أدلة تعثر الحكومة هو فشلها في إدارة ملف الانتخابات البرلمانية. وتعاملها مع حادث تسمم مياه الشرقية.. فتارة تؤكد أن مياه الحكومة بريئة وتارة أخري تتهم جراكن الأهالي بالتسبب في الحادث لكن لم يكن هناك بيان حكومي واضح قاطع يحيط بالمشكلة.. وتاهت الحقائق وتشتت الناس معها.. رغم أن المسئولية في كلتا الحالتين هي مسئولية الحكومة.
* "الأخونة" في مواقع مهمة ووزارات عديدة »كالأوقاف والكهرباء والاتصالات والمحليات والأزهر.. دليل آخر علي تعثر الحكومة وتقاعسها في العلاج.. والسؤال لماذا فشلت في إجراء حوار مجتمعي مثمر مع الأحزاب والمجتمع المدني وخبراء القانون والسياسة.. ولماذا لم تنجح في تشغيل المصانع المتوقفة لامتصاص البطالة المتفاقمة التي طالت الملايين.. وكيف لا نجد تبريراً لفشل الحكومة في حل مشكلة تدني خدمة الإنترنت رغم إنفاق "المصرية للاتصالات" ما يقرب من ملياري جنيه في شراء كبائن من إحدي الشركات الصينية.. لكنها لم تحقق الكفاءة الفنية المطلوبة ولا توفرت لها الحماية من السرقة.. كما تراجعت خدمات المحمول والثابت بصورة غير مسبوقة وفشلت الشركات العاملة في هذا المجال في توفير أي فرص عمل جديدة كما كان مأمولاً منها رغم تعاقب 3 وزراء اتصالات بعد الثورة.
* وفي التربية والتعليم جاء وزير جديد شغل نفسه بالتصريحات والظهور في وسائل الإعلام حتي أنه كان يظهر علي فضائيتين في يوم واحد ليتحدث عن طموحاته رغم أن شيئاً من التطوير لم يتحقق ولا عاد الانضباط المدرسي بل زاد العنف وصارت المدارس بلا تعليم ولا تربية وانتصرت مافيا المدارس الخاصة علي الوزير وفرضت شروطها المادية والفكرية وهو أمر يدعو للقلق.. فكيف نأمن علي مستقبل أجيالنا الحاضرة والقادمة في ظل تعليم بهذا التردي وخدمات بهذا التراجع وصحة معتلة وإهمال صار هو سيد الموقف.. أين مثلاً مشروع التأمين الصحي الذي صدعتنا به الحكومات المتعاقبة.. ومتي يري النور في ظل عجز أكثر من 30 مليون مواطن عن دفع ثمن الرعاية الصحية والتي يدفع المصريون نحو 70% تكاليفها.
وهل ثمة إجراءات رادعة في ملف الفساد وخصوصًا فساد المحليات وهل تغير أداء المحافظين أم أنه لم يختلف عما سبق.. فتغيرت الوجوه وبقيت منظومة الفشل وضعف الكفاءة وربما تدهورها عما كانت عليه من قبل!!
وهل يفسر ذلك الفجوة المتزايدة بين المواطن والحكومة.. وهل عرفنا السر في عدم تصديق الناس لما تقوله الحكومة.. لماذا يحملونها مسئولية ما هم فيه من عناء وعشوائية وانفلات وتدهور في الخدمات والمرافق واعتلال في الصحة وتخلف في التعليم وغلاء في الأسعار؟!
* المواطن يشعر كأن شيئاً لم يتغير..فلا هو يعرف كيف يجري تعيين المسئولين ولا إقالتهم.. ولا تزال سياسة ردود الأفعال هي المسيطرة.. وترك كبار الموظفين المسئولية لصغارهم وهؤلاء لا يعنيهم رضا الناس أو سخطهم علي الأداء الحكومي.. ثمة حلقة مفقودة وغياب واضح للحس السياسي والمسئولية السياسية.. والسؤال: ألا تستلزم مرحلة حرجة كهذه نهجاً ومنهجاً حكومياً مغايرًا في التعامل والشفافية والمصارحة.. ألم يحن الوقت للبحث خارج الصندوق عن الحلول والأشخاص.. فهل تملك الحكومة الحالية القدرة علي ذلك والأهم هل تملك أصلاً الرؤية اللازمة لذلك.. هل ثمة إدراك بأنه لا نهضة حقيقية دون إصلاح التعليم والصحة والعدالة والقضاء علي الفقر والتخلف والبيروقراطية والفساد.. فهل تعيد الحكومة تقييم أدائها والأهم هل هي بالفعل قادرة علي تحسين ذلك الأداء..؟!