جلاء جاب اللة
وقفة مع النفس.. قبل الشقيق والصديق!
اليوم 22 ديسمبر.. وغداً 23 ديسمبر يوم النصر أو الذكري السنوية لعيد النصر.. هذا اليوم الذي انتصر فيه شعب مصر وجيش مصر وثورة مصر بدعم الشقيق والصديق علي العدوان الثلاثي الفرنسي والبريطاني والإسرائيلي علي مصر والذي شهدت فيه مدينة بورسعيد الباسلة هزيمة العدوان الثلاثي وتأكيد شرعية السلطة المصرية علي قناة السويس وتأكيد جلاء الإنجليز عن مصر.
لم يكن قد مر علي ثورة مصر إلا أربع سنوات فقط.. ولم يمر أكثر من ثلاثة شهور فقط علي إعلان الرئيس عبدالناصر تأميم قناة السويس.. ولم يمر أكثر من أربعة شهور علي جلاء آخر جندي إنجليزي عن مصر بعد احتلال دام طويلاً.
كانت مصر 1956 أشبه حالا بمصر 2016 تبحث عن نفسها وتحدد طريقها نحو التقدم والنمو والخروج من عباءة الأزمات الثقيلة داخلياً وخارجياً.. وكالعادة.. كان هناك من يتربص بمصر داخلياً وخارجياً.. لكن مصر كعادتها أيضاً انتصرت.. وكان يوم النصر.
اليوم وبعد ستين عاماً من عيد النصر نحتاج إلي وقفة مع النفس قبل أن نقف مع الشقيق ثم مع الصديق في هذه المعركة التي نخوضها نحو المستقبل والتقدم والأمل.
لدينا أزمات لا نستطيع إنكارها.. أزمة سكر.. أزمة دواء.. أزمة غلاء في كل شيء لكن الأزمة الحقيقية هي أزمة الضمير..!!
عودة الضمير هي البداية الحقيقية من خلال الوقفة الصادقة مع النفس.. الضمير الإنساني للمواطن والتاجر والموظف وكل إنسان في مصر.. عودة الضمير هي الحل..!!
المؤكد أن شعب مصر قادر علي التحدي والصمود ولديه استعداد كامل لأن يتحمل كل المصاعب والشدائد لكنه فقط يريد أن يعرف إلي متي؟
السؤال الدائم: متي سنخرج من عنق الزجاجة.. وقناعتي الشخصية أنه بعد 30 يونيه 2017 سنخرج من عنق الزجاجة وتلك الأزمات خاصة بعد إطلاق عدد كبير من المشروعات الإنتاجية أو التي تدعم الإنتاج وأنه مع الاحتفال بذكري ثورة 30 يونيه ستكون هناك انفراجة كبيرة للأزمة.. ولكن مطلوب أن يخرج علينا السيد رئيس الوزراء ببيان يطمئن الناس ويعد الشعب بأن الصبر سيكون له حدود.. وأن حده عندما يحدث شيء ما.. المهم أن يعد الناس بموعد لانتهاء الأزمات.. والتحديات علي الأقل فيما يتعلق بالغلاء والأسعار وتكاليف المعيشة..!!
الوقفة مع النفس ضرورية وأهم مظاهرها أن نهتم بالإنتاج.. فالإنتاج سواء كان زراعياً أو صناعياً هو الطريق السهل والأصح للمواجهة.. وبدون الإنتاج لن نحقق أهدافنا.. وعندما نستطيع أن نحقق اكتفاء ذاتياً من الضروريات للحياة سيكون لدينا القدرة علي المواجهة الحقيقية مع التحديات الصعبة التي تواجهنا الآن.
الوقفة مع النفس بالإنتاج الحقيقي زراعياً وصناعياً هي الأهم.. ولكنها لا تغني عن وقفة أخري مع الشقيق.. والصديق..!!
الشقيق هنا هو الشقيق السعودي.. فلا غني للسعودية عن مصر ولا غني لمصر عن السعودية وأي تجاوزات هنا أو هناك لن تضر إلا الشعبين ولن تسئ إلا للشعب العربي كله في معركة المصير التي يخوضها الآن..
الوقفة مع الشقيق تقتضي المصارحة والجلوس علي مائدة المفاوضات بشكل علني أو سري ليس مهماً.. بل المهم ان تكون هناك مصارحة ومكاشفة بدلاً من سياسة "المكايدة"..!!
مطلوب تحرك سريع لوقف كل محاولات استغلال الجليد بين الرياض والقاهرة لأن الدفء بين الشعب الشقيق هنا وهناك قادر علي إذابة أي وكل جليد أياً كان!!
العلاقة بين الأشقاء لا تحكمها مواقف سياسية أو مصالح وقتية لأن العلاقة بين مصر والسعودية أكبر بكثير من أي مواقف أو مصالح ولا يمكن أبداً أن ينسي أهل مصر مواقف السعودية ولا أهل الحجاز مواقف مصر.. لأن المواقف هنا أو هناك لم تكن سياسة بل كانت قناعة وإيماناً وصدقاً مع النفس..!!
الصمت الرسمي هنا وهناك أفضل بكثير من اللغط الإعلامي أحياناً لكن يجب ألا يطول هذا الصمت بل لابد من تحرك سريع نحو إذابة الجليد..!!
مواقف الإمارات والسعودية بالذات كأشقاء ومواقف مصر معهما كأشقاء لا يمكن أن يتم قياسها بمنطق السياسة والاقتصاد والحساب والاحصاء لأن هذا المنطق ناقص قاصر بين الأشقاء والأخوة.. بل هناك منطق آخر مهم جداً وهو الدم والدين واللغة والأخوة الصادقة.. هناك تاريخ مشترك وجغرافيا واحدة ودين واحد والأهم دم واحد..!!
مطلوب وقفة مع الصديق بلا وسطاء وبدون أي حسابات مسبقة وبدون الدخول في متاهات المكسب والخسارة.. لأننا كلنا خاسرون إذا لم نسرع تجاه تلك الوقفة.
الوقفة مع الصديق تعني الوقفة مع الصديق الروسي وإذا كانت إرادة الشعب ومساندة الشقيق ووقفة الصديق هي كلمة السر في النصر في كل معاركنا وليس نصر 1956 وحده.. فإن الوقفة مع الصديق الروسي ضرورية.
عندما تحطمت الطائرة الروسية.. كان الإعلان الروسي الرسمي فوراً هو وقف السياحة الروسية واتهام مصر.. لتدخل بعدها في مفاوضات وحوارات طالت حتي اليوم..!!
وبعد مقتل السفير الروسي في تركيا علناً وبيد التطرف التركي علنا.. كان الرد الروسي دبلوماسياً هادئاً مؤكداً أنه لن يؤثر علي العلاقات الروسية التركية!!
ألا يدعو هذا التناقض إلي تساؤل مريب ماذا يحدث لمصر ومع مصر من الصديق؟
التطرف والإرهاب لا وطن له ولا دين ولا يمكن أن يكون مقبولاً هنا أو هناك ولكن.. جريمة مقتل السفير الروسي جريمة دولية.. وقد يكون لها موقف دولي لأن للسفير أي سفير مكانة مختلفة واعتقد أن القانون الدولي له موقف واضح وحاسم في مثل هذه الجرائم.. أما قضية الطائرة فلا يوجد دليل واضح وحاسم بشأن الاتهام والمتهم وإن كانت جريمة بلاشك..!!
لماذا هذا التناقض في الموقف الروسي تجاه مصر وتركيا؟
الموقف الرسمي الروسي تجاه مصر بعد حادث الطائرة فيه تزيد وتطرف واضح والموقف نفسه تجاه تركيا فيه تساهل أوضح.. ألا يدعو ذلك إلي وقفة مع الصديق الروسي في هذا الوقت؟
الموقف الروسي تجاه تركيا دبلوماسي ومنطقي وسط الأزمات لكنه تجاه مصر عكس ذلك فبماذا نسميه؟
إذا كانت إسرائيل هي المستفيد الأول والأهم في كل أحداث المنطقة بداية من اجتياح العراق ثم مأساة سوريا وأزمة ليبيا بل والحرب في اليمن.. فإن إسرائيل وحدها ليست المستفيد بل هناك كثيرون غير أن العرب والمسلمين هم الخاسر الأول والأهم بشكل عام.. والشعوب التي اكتوت بنار هذه الحروب وهذا الإرهاب هي الأكثر تضرراً وحسرة.. وتركيا وإيران مع روسيا هم أكثر اللاعبين إساءة لكل قواعد اللعبة السياسية في قضية سوريا ونحن العرب والمسلمين متفرجون وإذا كانت روسيا تدافع عن مصالحها وإيران تدافع عن مصالحها فإن تركيا تدافع عن حلم الخلافة العثمانية.. وكل أحلام هذه الأطراف علي حساب العرب والمسلمين ولابد من وقفة.. ولابد من حساب ولن نستطيع أن نقف هذه الوقفة إلا إذا انتصرنا أولاً علي أنفسنا ونجحنا في الوقفة مع النفس بالإنتاج والعمل والمثابرة والصبر والإيمان الحقيقي بالله.. وعودة الأشقاء إلي نقطة الالتقاء والابتعاد عن نقاط الخلاف..!!
عندما نتحدث عن الوقفة مع الصديق أو مع الشقيق فإننا حتما نعود إلي الوقفة مع النفس.. وعلينا أن نعرف أننا بالفعل في طريقنا الصحيح لهذه الوقفة.. المهم أن تكون الحكومة علي نفس قدر العطاء مع الرئيس.. وألا يظل الرئيس وحده في الميدان.. وكلنا في الخلف بعيداً عن الميدان..!!
علي الحكومة أن تبدأ هذه الوقفة مع النفس أولاً وساعتها ستكون وقفة الشعب أقوي وأعظم.. وانتصاراً حقيقياً وستفرض ساعتها الوقفة مع الأخ ومع الصديق..!!
همس الروح
** اللهم هذا حالنا لا يخفي عليك وهذا ضعفنا ظاهر بين يديك فعاملنا بالاحسان إذ الفضل منك.. وإليك.
** اللهم اهدهم.. فإنهم لا يعلمون.
** اللهم إن مصر شرفتها في قرآنك وكرمتها بأنبيائك والصالحين.. فانصرها علي الفجار والفاسدين.