الجمهورية
على هاشم
ما قاله عبد العال وهيكل كاشفى لأحوال الإعلام.. فهل نستطيع إصلاح المنظومة؟!
موافقة البرلمان علي قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام في جلسته العامة بأغلبية ثلثي الأعضاء بوصفه من القوانين المكملة للدستور. نقلة نوعية جديدة في العمل الصحفي والإعلامي . إذ يتضمن نص القانون تشكيل مجلس أعلي لتنظيم الإعلام وهيئتين وطنيتين. واحدة للصحافة وأخري للإعلام لضمان الحرية الإعلامية ووضع المعايير المهنية اللازمة لضبط الأداء بعد أن كثرت المهاترات وسادت الفوضي في الفضاء الإعلامي.. وهنا يصبح السؤال: هل نحن مستعدون حاليًا لتغيير حقيقي في مسار المهنة..وهل نملك مقومات العبور إلي منظومة جديدة تماثل أو حتي تستلهم تجارب إعلامية ناضجة وناجحة حولنا.. وماذا ستفعل الحكومة بعد صدور قوانين تنظيم الإعلام مع الظروف المالية القاسية التي يعانيها إعلام الدولة في ظل ديون متراكمة جاوزت 30 مليار جنيه. يخص ماسبيرو وحده20 مليارًا منها. والباقي من نصيب الصحف القومية.
الإعلام كله في أسوأ حالاته اليوم.. يستوي في ذلك إعلام الدولة والإعلام الخاص "صحفًا وفضائيات ومواقع إلكترونية" وخصوصًا الصحف الورقية التي باتت علي عتبة الانهيار بعد الغلاء الرهيب في أسعار الورق ومستلزمات الطباعة التي زادت بمعدلات وصلت لنحو 80%. وهو ما يجعل تلك الصحف بصدد أهم وأخطر اختبار لها في تاريخها. فإما الصمود في معركة البقاء وإما الزوال ـ لا قدر الله ـ ليُسدل الستار علي أقدم وأفضل وأعرق الصحف في الشرق الأوسط كله.
قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام حظي باعتراضات غير مبررة من جانب البعض. فالدستور أوجب في بعض مواده بناء منظومة إعلامية أكثر مهنية وأكثر حرية لا حبس فيها للصحفيين ولا للإعلاميين في قضايا رأي أو نشر وتعبير. ولعل ما قاله رئيس البرلمان د. علي العال أمام الجلسة العامة كاشف لما وصل إليه حال إعلامنا من تردي وتدهور مهني. حيث أكد أن ما يقوم به بعض الإعلاميين والصحفيين بنشر معلومات مغلوطة أو غير حقيقية يتسبب في تشويه صورة مصر في الخارج. مستشهدًا بما سمعه من أحد المسئولين بدولة أوربية أثناء زيارته لها. بخصوص موضوع أثار لغطًا كبيرًا. واستند هذا المسئول إلي بعض قصاصات الصحف ومقاطع الفيديو التليفزيونية التي صدرت في مصر قائلاً: نحن لم نتهم مصر. بل إن الصحافة والإعلام المصري هما من أصدر مثل هذا الاتهام.. الأمر الذي جعل رئيس البرلمان يتحمس لسرعة إصدار التشريعات الإعلامية حماية للإعلاميين الشرفاء ولحق الجمهور في تلقي معلومات حقيقية. ومادة إعلامية موضوعية لا كذب فيها ولا تشويه ولا تصفية للحسابات أو خدمة للمصالح والأجندات الخاصة.
وأضاف د. عبد العال إن هذا هو حال الإعلام. فبعض الإعلاميين والصحفيين يتناسون حق هذا الجمهور في المعرفة والمعلومات الصادقة..ورغم أن المادة 226 من الدستور واضحة لا لبس فيها فإن أحد الإعلاميين الذي لم يسمه رئيس البرلمان وقتها- وليته فعل ـ يصر علي تشويه الحقائق.. ويكذب و يكذب ويكذب حسبما صرح عبدالعال. في إشارة لا تخفي إلي ما قاله هذا الإعلامي عن نية البرلمان تعديل الدستور لمد فترة الرئاسة للرئيس السيسي الخاصة.انطلاقًا من تغيير النصوص الخاصة بإحالة الإرهابيين المعتدين علي دور العبادة إلي القضاء العسكري والتي تحدث عنها بعض النواب في إحدي الفضائيات.
رئيس البرلمان أكد أيضًا أن بعض الإعلاميين يريدون شق الصف الوطني.. أما أسامة هيكل رئيس لجنة الإعلام والثقافة بالبرلمان فقد اتهم الإعلام صراحة بأنه صار ساحة صراع وصراخ. إذ أصبح السب والقذف حرية رأي وتعبير. وتم فتح الشاشات وصفحات الصحف لتصفية الحسابات. مؤكدًا أن القوانين المنظمة للإعلام تصب في صالح المجتمع والإعلام والصحافة.أما تعطيلها فيصب في مصلحة قلة تريد إبقاء الأوضاع علي ما هي عليه. وينبغي ألا ننسي أن الإعلام ليس سيفًا مصلتًا علي الرقاب لكنه خدمة تقدم للمجتمع في أفضل صورها. لكن هذا المجتمع صار يضيق بهذا الإعلام وتلك الصحافة بل لعله انصرف عنهما. حتي جاء دستور 2014 وأقر في مواده "211. 212. 213" ضرورة إنشاء هيئتين وطنيتين إحداهما للإعلام والأخري للصحافة ومجلس أعلي للإعلام والصحافة. ومن ثم أصبح لزامًا سن هذه القوانين تحقيقًا لنصوص الدستور. وفي المقابل ضمنت المواد 65.70. 71.72 من الدستور حرية الرأي والتعبير واستقلال المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام. كما ألزم الدستور بأخذ رأي هذه المجالس في مشروعات القوانين واللوائح المنظمة لمهنة الإعلام والصحافة. وهو ما أوصي به مجلس الدولة وتم بناء عليه-بحسب هيكل- فصل القوانين المنظمة للإعلام بحيث يصدر التنظيم المؤسسي. ثم يتبعه تشريعات أخري أوجب الدستور أخذ رأي الهيئات والمجالس الإعلامية فيها. وهي المواد التي سوف يناقشها البرلمان بعد تشكيل هذه الهيئات وبدء عملها وهي مواد سبق أن صاغتها لجنة الخمسين الخاصة بإعداد قانون الإعلام وكذلك اللجنة الوطنية والسداسية. وهي اللجان التي ضمت ممثلين لنقابة الصحفيين والمجلس الأعلي للصحافة. وتوافقت جميعًا علي تشكيل تلك المجالس والهيئات.. وتساءل هيكل: كيف تخرج الاعتراضات ممن صاغوا تلك التشريعات ؟!
ورأيي أنه رغم تأخر صدور قوانين الإعلام والصحافة وتشكيل هيئاتها ومجالسها فإن الساحة باتت مهيأة لمثل هذا التغيير لأسباب عديدة. أن ثمة مجلسًا أعلي للصحافة وهيئتين وطنيتين يفترض ـ وهذا واجب لا غني عنه ـ أن تضم خبراء أكفاء من أرباب المهنة يملكون الحلول والمفاتيح والرؤية لإنقاذ الإعلام مما هو فيه من تردي وانهيار. ويدركون خطورة تأخير أو تأجيل الإصلاح خصوصًا في المؤسسات الصحفية القومية التي تئن تحت وطأة الترهل والغلاء وغياب التقييم. ويصارع بعضها للبقاء وبعضها الآخر دخل نفقًا مظلمًا لا نهاية له. وهو ما يضطر الدولة للتدخل لدفع أجور العاملين في ماسبيرو والصحف القومية والذين تقترب أعدادهم من 60 ألف موظف.. فإلي متي تستمر هذه المهازل..؟!
لا يخالجني أدني شك أن صاحبة الجلالة ابُتليت بأعداد غفيرة تسللت إليها في السنوات الأخيرة. ولم تكن هي في حاجة إليهم حتي صاروا وبالاً عليها لافتقادهم أي تدريب أو تقويم أو خبرات. ناهيك عن ضعف الوازع الأخلاقي لدي البعض. وتراجع القيم الأصيلة للمهنة تحت أقدام المنافسة الشرسة والتسارع التقني لوسائل الإعلام والسوشيال ميديا.. ومن ثم كثر الدخلاء علي المهنة بعد أن لعبت المحسوبية دورها في انضمام أشخاص غير مؤهلين للممارسة الإعلامية والصحفية. خصوصًا في وسائل الإعلام والصحف المملوكة لرجال أعمال سخروها لمصالحهم.. ويبدو طبيعيًا في سياق كهذا أن نجد ظاهرة ¢ الفنان المذيع ولاعب الكرة المذيع. استغلالاً لشهرة هذا النجم الكروي أو ذلك الفنان لتحقيق نسب مشاهدة أعلي في الفضائيات فتوارت المهنة وهبطت لغة الحوار. وارتفعت لغة السباب والشتائم. وتحولت الشاشات إلي أدوات تحريض وفتنة أفقدت المهنة ما بقي من مصداقيتها وتسببت في انصراف الجمهور عنها مستاءً رافضًا التجاوب مع تلك المهازل الأخلاقية.
خروج أول قوانين الإعلام إلي النور بعد طول انتظار يقتضي الإسراع بتشكيل المجالس والهيئات الجديدة وفق ضوابط ومحددات مهنية موضوعية والتدقيق في اختيار أعضائها حتي لا تسوء الأوضاع أكثر فأكثر. ويفرض عليها فور تشكيلها المسارعة لوضع مواثيق الشرف وضوابط الأداء والمحاسبة دون أن يمس ذلك فضاء الحريات التي منحها الدستور للصحافة والإعلام وحرية الرأي والتعبير أو يكبلها بأغلال وقيود جديدة. فالحرية صنو الإبداع ومقوم أصيل لانطلاقه.
وإذا كان الدستور قد ألزم المشرع بقوانين تسهم في تحرير الإعلام وإصلاحه جذريًا وتذليل ما يعترضه من عقبات أو قيود مكبلة. فإن الحكومة مطالبة بألا تتراخي أو تتقاعس ـ مثلما فعلت سابقاتها ـ عن مد يد العون لهذه الهيئات والمجالس وتقديم ما يلزمها من دعم لإعادة تأهيل العاملين بالإعلام القومي وهيكلة مؤسساته ماليًا وإداريًا ومهنيًا. واستثمار أصوله ودمجها في مشروعات استثمارية تدر عائدً يعوض ندرة الموارد التي يعاينها حاليًا بعد تراجع الإعلانات وصعوبة الأحوال الاقتصادية. باعتبار هذا الإعلام القومي صمام أمان للأمن القومي فيما يختص بتشكيل الوعي وصياغة الرأي العام.
لا شك أن التركة ثقيلة وتراكمات السنين لا يفلح معها حلول تقليدية. ومن ثم فعلي المجلس الأعلي للإعلام والصحافة المزمع تشكيله والهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام أعباء جسام في ظل بيئة مترهلة غابت عنها المهنية والموضوعية وسادها الفوضي والانفلات. ومن ثم فلا مفر من البدء بوضع مواثيق الشرف الإعلامي ليتحول الإعلام إلي أداة بناء ودعم للدولة في حربها ضد الإرهاب ومحاولات زعزعة الاستقرار.. حتي ينطلق إعلامنا وصحافتنا إلي العالمية مستعيدًا ريادته وعراقته. مثلما يحدث في العالم المتقدم الذي ينهض الإعلام والصحافة فيه بأدوار كبري بحسبانهما سلطة شعبية مستقلة مهمتها الرقابة لأداء الحكومة وأجهزتها التنفيذية ومؤسسات الدولة كافة. والكشف عن مواطن القصور والخلل والإشادة بالإيجابيات والسهر علي حراسة قيم المجتمع ومقومات وجوده بميزان العدل.
وإذا كنا إزاء إعلام جديد فلا يستقيم الوضع في ظل غياب قانون لحرية تداول المعلومات.. يحقق الشفافية والإتاحة ويقضي علي الشائعات والبلبلة وهتك الحرمات.. فمتي نري إجراءات عملية علي الأرض تخلص إعلامنا من آفاته ومثالبه وتضعه أمام مسئولياته وواجباته كرافعة للتقدم وقوة ضاربة في معركة البقاء والبناء..؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف