الوفد
علاء عريبى
قتل المسلم بالكافر
أبو يوسف يعقوب (113 ـــ 182هـ) المعروف بأبى يوسف صديق وتلميذ الإمام أبو حنيفة النعمانى، وأول من تولى منصب قاضى القضاة فى الإسلام، حكي أنه رفع إلى أبي يوسف القاضي: مسلم قتل كافرا فحكم عليه بالقود، فأتاه رجل برقعة ألقاها إليه من شاعر بغدادي يكنى أبو المضرجي فيها مكتوب.
يا قاتل المسلم بالكافر... جرت وما العادل كالجائر
يا من ببغداد وأطرافها... من فقهاء الناس أو شاعر
جار على الدين أبو يوسف... إذ يقتل المسلم بالكافر
فاسترجعوا وابكوا على دينكم... واصطبروا فالأجر للصابر
فأخذ أبو يوسف الرقعة، ودخل على الرشيد، فأخبره بالحال، وقرأ عليه الرقعة، فقال له الرشيد: تدارك هذا الأمر بحيلة لئلا يكون منه فتنة.
فخرج أبو يوسف وطالب أولياء المقتول بالبينة على صحة الذمة، وأداء الجزية فلم يأتوا بها فأسقط القود وحكم الدية».
هذه الواقعة رواها البغدادى فى تاريخ بغداد، والماوردى فى كتابيه الحاوى والأحكام السلطانية، وقد جاءت فى باب قتل المسلم بالكافر، وذكرت على سبيل التأكيد على تراجع أبى يوسف أو الحنفية بشكل عام عن قتل المسلم بالكافر، والكافر فى تعريف الفقهاء تطلق على جميع من كفروا بالديانة الإسلامية، وهم غير المسلمين، والخلاف فى هذه المسألة لا يقع على غير المسلم المحارب، الذى تدخل بلاده فى حرب مع البلاد الإسلامية، إذ ان الفقهاء أجمعوا على عدم قتل المسلم بقتله، واتفقوا أيضا على عدم تسديده دية لقتله.
أما غير المسلم الذمى، وهم أهل الكتاب الذين يعيشون فى كنف المسلمين، وكذلك غير المسلم المعاهد: اليهودى والمسيحى الذي وقعت بلاده معاهدة مع المسلمين، فقد اختلف الفقهاء حول قتل المسلم لأحدهم.
فقد اعتبر الفقهاء للفارق بين المسلم والكافر، والحر والعبد، فلم يجعلهما متكافئين في الدم، فلو قتل مسلم كافر أو قتل حرا عبدا فلا قصاص على واحد منهما، وأصل ذلك حديث علي كرم الله وجهه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا لا يقتل مؤمنا بكافر».أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي والحاكم وصححه.
وروى البخاري عن علي كرم الله وجهه أيضا أن أبا جحيفة قال له: هل عندكم شيء من الوحي ما ليس في القرآن.
قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن، وما في هذه الصحيفة.
قلت: وما في هذه الصحيفة؟
قال: المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وفكاك الأسير، وألا يقتل مسلم بكافر.
وهذا مجمع عليه بالنسبة للكافر الحربي: فإن المسلم إذا قتله، فإنه لا يقتل به إجماعا.
وأما بالنسبة للذمي والمعاهد، فقد اختلفت فيهما أنظار الفقهاء، فذهب الجمهور منهم إلى أن المسلم لا يقتل بهما لصحة الأحاديث في ذلك، ولم يأت ما يخالفها.
وقالت الأحناف وابن أبي ليلى: لا يقتل المسلم إذا قتل الكافر الحربي، كما قال الجمهور. وخالفوهم في الذمي، والمعاهد.
فقالوا: إن المسلم إذا قتل الذمي أو المعاهد بغير حق، فإنه يقتل بهما، لأن الله تعالى يقول: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ـــــــ المائدة 45}، وأخرج البيهقي من حديث عبد الرحمن البيلماني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قتل مسلما بمعاهد.
وقال: «أنا أكرم من وفى بذمته».وقالوا أيضا: أن المسلمين أجمعوا على أن يد المسلم تقطع إذا سرق من مال الذمي، فإذا كانت حرمة ماله كحرمة مال المسلم، فحرمة دمه كحرمة دمه.
قال الماوردي: أما تكافؤ الأحكام بالحرية والإسلام فمعتبر عندنا فيقتص من الأدنى بالأعلى ولا يقتص من الأعلى بالأدنى، وهو أن يقتل الكافر بالمسلم، ولا يقتل المسلم بالكافر، وسواء كان الكافر ذميا، أو معاهدا، أو حربيا، وبه قال مالك وأحمد وإسحاق، وقال أبو حنيفة: يقتل المسلم بالذمي، ولا يقتل بالمعاهد والحربي.
وقال الشعبي: يقتل المسلم بالكتابي، ولا يقتل بالمجوسي، وروي أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأله عن مسلم قتل نصرانيا فكتب إليه عمر أن يقتاد منه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف