البديل
مايكل عادل
بين عقارب الساعة وآلة الحرب
ليس بين اليأس والأمل ذلك الخيط الرفيع الذي نتخيّله، بين هذين الشعورين مئات الآلاف من المشاعر التي لا يمكننا إحصائها من غضب وحماس وركود وحب وكراهية ومهادنة وخصام ومصالحة وسلام وغيرة وطمع. بين اليأس والأمل مدن وقرى وأُناس تعيش دون لحظة تردد في استكمال الصراع المسمّى بالحياة.
بالأمس انتصرنا واليوم انهزمت قوافلنا وفي الغد قد نبلي بلاءً حسناً وقد نولّي الفرار. أعوام تمر وأعمار تدور مؤشراتها نحو المزيد والمزيد من الأرقام المتصاعدة كالشعر الأبيض في رؤوس الكهول. سنوات وسنوات تنقضي على جيل كان شاباً حينما حُكم عليه أن يشهد عصر من عصور إعادة ترتيب موازين القوى في العالم وإعادة رسم خارطة الكون بينما تستمر الكرة الأرضية في استكمال مسارها حول الشمس دون توقّف تتوقّف معه عقارب الساعة عن الدوران بتلك القسوة. ما لنا وتلك المعركة وكل هذه التفاصيل التي أغرقتنا في دهاليز الأسئلة والمنطق ومعارك الضمير والسلامة، الخطر البطولي والحزن الآمن. وجدنا أنفسنا أمام معارك أخلاقية واختيارات لم يوضع أمامها أعتى المقاتلين وأطهر الصالحين!
لماذا وجدنا أنفسنا في ذلك العصر الذي يختار فيه الإنسان بين أمنه الشخصي ولقمة عيشه؟ عصر أصبحت فيه الدماء تطوّق الصباحات والأمسيات، بينما تسابقنا عجلة الزمن التي تسرق ما تبقى من أيامنا دون أن نخطو خطوة واحدة نحو هدفٍ ما. يبدو فيما يبدو أننا أهل لتلك الحقبة العجيبة، الحقبة الملعونة بلعنة الدماء البريئة. الأمر مرعب حقاً، عدد رهيب من الأبرياء يموتون دون معرفة سبب واضح لذلك الموت، فالبعض يجدونهم كفّاراً والبعض يجدهم وقود محتمل وضحايا الضرورة لمعركة ما.
لا، لن نقف في المنتصف. يجب علينا اختيار إحدى الفرقتين! الثلاث فرق أو الأربعة أحزاب. كم من طرف في هذا الهراء الدائر ومن المستفيد؟ تاجر السلاح أم تاجر الدين أم كلاهما أعضاء في مجلس إدارة نفس الشركة؟ وأين نحن الذين نتبارز بين هؤلاء وهؤلاء وأين مكسبنا؟ أحدنا يريد الانتصار لعقيدته والآخر ينتصر لفكرته وهناك من ينتصر لأمنه الشخصي، ولا لوم عليه، ولكنه وبكل أسف لن ينتصر له فكُل الرقاب راقدة تحت نفس المقصلة، فكُل الموت موت وكل التشرّد تشرّد والأذى لا يُصنَّف إلا كأذى. سنواتنا تضيع وآلة الحرب لا تريد التوقف لحظة واحدة وكأن هناك اتفاق سرّي بين آلة الحرب وعقارب الساعة، الساعة المنشغلة دوماً بإضافة اللحظات والثواني والدقائق والساعات إلى أعمارنا الحائرة بين مبررات الحياة وبواعث الموت. قلوب تحترق بالألم وأخرى تحترق بحرارة الرصاص المستقر بين أنسجتها. أفئدة تلتهب بنيران الجحيم من فرط الكراهية وأخرى تلهبها جمرات الأسى على ما كان. بلدان تتحوّل إلى أنقاض وأنقاض تنمو أسفلها جرذان السخط على كل شيء. أجيال أكثر تشوّهاً ننتظرها، فلتمدّنا أيها الزمن بالمزيد من اليأس، فلتمدّينا أيتها السماء بالمزيد من الأمل ولنترك بقيّة المشاعر للحرب كي تمدّنا بها.
يالتعاسة حظنا. بيننا من المبدعين من قتلهم اليأس والتسليم إلى الأمر الواقع، وحتّى الأمر الواقع نفسه ليس ثابتاً كي نسلّم له ونستقر في القاع، بل أن الوضع الراهن نفسه ليس أمراً محسوماً. مدن تحترق ومدن تنتصر، مدن تحترق وتنتصر في ذات الوقت. الحدث الواحد له أكثر من معنى وتفسير، الحدث الواحد قد يحمل معنيين متناقضين لدى الأطراف المختلفة بينما تسيرعقارب الساعة دون توقّف وتدور محركات أعمارنا إلى الأمام بلا هوادة. إن كنّا لا نستطيع إيقاف الساعة لنُمهل أنفسنا فرصة للحياة، فهل هناك من يستطيع إيقاف الحرب؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف