أحمد بان
ماذا يجرى داخل جماعة الإخوان ؟
بالرغم من أن جماعة الإخوان لم تعد الفاعل الأهم فيما نعيشه من أحداث، تجاوزت ما يجري فى مصر إلى تطورات دراماتيكية تجري في الإقليم والعالم، إلا أنه لازال يشغل وسائل الإعلام على الأقل ما يجرى فى الجماعة العجوز.
فور إعلان المتحدث الرسمي لأحد أجنحة الجماعة الاثنين محمد منتصر، وهو اسم حركي بالمناسبة، عبر تويتر أن اجتماعا قد التئم لمجلس شورى الجماعة على وشك اتخاذ قرارت وشيكة، منها فصل الهيئة التنفيذية عن الهيئة الرقابية أى مجلس الشورى عن مكتب الإرشاد، أو تسمية مرشد جديد، فضلا عن أمور أخرى كشفت عنها مسودة وزعت على الصف الإخوانى فى مصر والعالم تاريخها أول نوفمبر 2016، حاولت أن تقدم كشف حساب عما جرى عبر السنوات السابقة من عمر الجماعة، تضمنت اعترافا نادرا بارتكاب الجماعة أخطاء ساعدت على خروجها من سدة الحكم، منها أنها تقدمت للحكم بنفس هياكل وبنى الجماعة التى لم تكن مؤهلة لإدراة مرحلة بهذا التعقيد، مؤكدة أنها منحازة لخيار الثورة المنضبط بضوابط الشرع، دون أن تحدد بطبيعة الحال تلك الضوابط.
تحدثت المسودة عن تدشين لائحة جديدة تتضمن تطويرا مؤسسيا وإداريا، وحررت موقفها من بعض المفاهيم التى لم تخرج فيها عن أدبيات حسن البنا المؤسس، سواء موقفها من الثورة التى أكدت أنها ليست خيارا دائما، بل هو مناسب فى سياق وقد لا يكون مناسبا فى سياق آخر، فى تأكيد على حرص الجماعة التاريخى على المراوحة بين الخيار الثورى والإصلاحي، حيث تخاطب تلك المجموعة فى النهاية الصف الإخوانى بهدف استمالته، أكدت أن القوة هى شعار الإسلام لكنها قوة الإيمان والوحدة ثم قوة الساعد والسلاح، وأنهم سيستكملون عدة هذه القوة وسينتزعون الحكم.
وفى سياق نقدهم لتجربة القيادة التاريخية قالوا أنها لم تكن على مستوى الأحداث، وأن رؤيتهم للواقع الذى تحركوا فيه كانت ضبابية، ولم تتعامل مع اللحظة باعتبارها فرصة ونقلة نوعية، لكن محنة ككل المحن التى مرت بالجماعة عبر تاريخها، وأنهم قادوا بروح الماضى وحصروا القيادة فى مجموعة محمود عزت، وبالتالي لم يحكموا مؤسسات الجماعة وأنهم تعاملوا مع تناقض فريق واسع من الصف مع إدراتهم ومنهجهم باعتبار أن ما تعيشه الجماعة من إنقسام مشابه لخلاف عبدالرحمن السندى مع الجماعة وقضية حزب الوسط.
وكيف أصروا على إدارة الجماعة بقيادات هاربة للخارج وقيادات فى السجون، وأصروا على عدم استكمال هياكل الجماعة حتى أصبحت الجماعة تدار بثلاث أشخاص تبقوا من مكتب الإرشاد القديم، هم محمود عزت ومحمد كمال ومحمد عبدالرحمن ولم يتبق من مجلس الشورى سوى 15 عضوا كانوا بين معتزل أو معتذر، فضلا عن أن مكتب الإرشاد ومجلس الشورى أصلا انتهت ولايتهم منذ عامين، بافتراض وجود أعضائهم وبالتالى لم يعد لديهم شرعية، ويبدو أن أزمة الشرعية انتقلت من شرعية مرسي إلى شرعية وجود الجماعة ثم شرعية تمثيلها.
المسودة تضمنت نقدا جريئا، تقترب فيه مجموعة منتصر من جملة الانتقادات التى وجهت للجماعة من عناصرها التى انشقت عنها، لذا كان بيان طلعت فهمى المتحدث باسم محمود عزت حريصا على وصفهم بالمنشقين، الذين يحاولون إنتاج رؤية جديدة لكنها ليست رؤية الإخوان، وهو ما سعت تلك المجموعة لنفيه عن نفسها، لخبرتهم بطريقة الحرس القديم فحرصوا على كثرة الاستشهاد بمقولات وأفكار حسن البنا.
الخلاف كما قالت مذكرة وضوح الرؤية التى قدمت للصف من جانب فريق منتصر، بين الفريقين على منهجية إدارة ومؤسسية القرار، كما أنه اختلاف رؤى وأفكار حول طبيعة المرحلة.
برغم كل ما تضمنته تلك المسودة من أفكار مهمة ، إلا أنها كعادة الإخوان تأتي بعد موعدها بزمان تأكيدا لأزمة فروق التوقيت التى وسمت الجماعة عبر تاريخها.
مالم تدركه الجماعة بجناحيها حتى الآن، أن التطورات قد تجاوزتها وأن السماح ببعض الجرأة فى النقد والمراجعة كان مفيدا فى مراحل سابقة، أما المراجعة الخجولة التي تضع عين فى الجنة وعين فى النار فلن تفي بالمطلوب.
فكرة الإخوان وليس تنظيمهم أو لوائحهم هى التى تحتاج للمراجعة، الأمر تجاوز فصل الدعوي عن السياسي أو التنفيذى عن الرقابى أو أشياء من هذا القبيل.
الجماعة استكلمت دورة حياتها وعمرها يقترب من مائة عام دون تجديد أو مراجعة أو قراءة صحيحة لواقعها ومشروعها وأهدافها، ومن ثم يبدو أن ما يجري لونا من ألوان العبث التى لن تصنع تأسيسا جديدا لجماعة تجاوزتها الأحداث ولازالت تعيش مضاعفات الإنكار.