البديل
محمد سعد عبد الحفيظ
“بيزنس نيوز” وعشوائية الأجهزة
“يجب وضع الاقتصاد على الطريق الصحيح لتحقيق المطالب المشروعة للشعب المصري في حياة بها قدر أكبر من الاستقرار والأمن والكرامة، وكذلك تحقيق تحسن ملموس في نوعية ونطاق القدرة على الحصول على الخدمات التي يستحقونها”.
ما سبق فقرة من مقال للرئيس عبد الفتاح السيسي، نشر في جريدة “ديلي نيوز إيجيبت”، إحدى إصدارات شركة “بيزنس نيوز” للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع، والتي يصدر عنها أيضا جريدة البورصة، في سبتمبر من العام الماضي، بمناسبة انعقاد المؤتمر السنوي لمؤسسة اليورومني بالقاهرة حول بدائل تمويل المستقبل الاقتصادي لمصر.
بالطبع السيسي لم يكن يعرف “الديلي نيوز إيجبيت” أو “البورصة” ولا غيرها من الدوريات الاقتصادية، ومن المؤكد أنه لم يسمع عن مالكهما زميلنا مصطفى صقر، وما يحدث في مثل هذه الأمور أن المستشار الاقتصادي هو من يرشح الجريدة المناسبة من حيث الانتشار والتأثير والتوجهات، لينشر فيها مقال الرئيس –الذي لا يكتبه بالطبع- بدروه يطلب الرئيس من أجهزته الأمنية التحري وتقديم تقرير وافي عن الجريدة وتوجهاتها وسياستها التحريرية ومدى انتشارها وتأثيرها، ثم يصدر قرار النشر في النهاية بناء على تلك التحريات الدقيقة.
إذن الأجهزة الأمنية تحرت عن “بيزنس نيوز”، وراجعت ملف ملاكها، وقلبت أرشيف إصدارتها، ورفعت تقرير وافي لـ”الاتحادية”، مع توصية بالسماح بنشر مقال رئيس الجمهورية.
فضل السيسي “ديلي نيوز إيجبيت” على الإصدارات الاقتصادية الحكومية، ونشر بها مقاله الذي نقلته وكالات أنباء ووسائل إعلام، وبعد نحو 14 شهر، تحديدا في نوفمبر الماضي، رفع ضابط بنفس الأجهزة مذكرة تحريات إلى لجنة حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان، يتهم فيه مجلس إدارة شركة “بيزنس نيوز” بالانتماء إلى الإخوان، وهو ما دعا اللجنة إلى إصدار قرار بتجميد والتحفظ على أرصدة وحسابات وممتلكات مصطفى صقر، ومنعه من التصرف فيها.
نحن إذن أمام تقريرين، الأول أوصى بنشر مقال الرئيس في “الديلي نيوز إيجبيت” بعد مراجعة ملفها، والثاني أوصى بالتحفظ على أموال مالك الجريدة بدعوى انتمائه إلى الإخوان، التقريران صدرا عن ذات الأجهزة الأمنية، التي بدى أن كلا منها يعمل بمفرده، أو أن بعضها يعمل وفق اجندة خاصة ليس لها علاقة بأجندة النظام.
بعد نشر قرار لجنة إدارة أموال الإخوان، تواترت أخبار عن رغبة رجل أعمال “حديدي”، في شراء شركة “بيزنس نيوز”، ليضمها إلى الحظيرة الإعلامية التي أدخل فيها عدد من المؤسسات الفضائية والصحفية خلال العام المنقضي بأموال لم يعرف أحد مصدرها حتى الآن، وهو ما رفضته إدارة الشركة، لكنهم لم يغلقوا الباب أمام مقترح بتوسيع رأس المال ودخول مردوخ الإعلام المصري كمساهم بنسبة لم يتم الاتفاق عليها، وقبل الوصول إلى نسبة ترضي الأطراف المتفاوضة، فؤجئ الملاك بصدور قرار التجميد والتحفظ وإخطار البنوك به.
ما حدث مع “بيزنس نيوز” يوحي بأن الأجهزة الأمنية لا تملك “كتالوجا” للتعاطي مع مثل تلك القضايا، أو أن بعض رجال الأعمال يملكون نفوذا وامتدادات داخل تلك الأجهزة للدرجة التي تجعلها تعد مذكرة تحريات ضد مؤسسة مناقضة لمذكرة لم يمض عام على رفعها للرئاسة، أو أن العشوائية هي العقيدة الثابتة التي تحرك مؤسسات دولة السيسي.
خلال حضوره احتفال هيئة الرقابة الإدارية، بمناسبة مرور 50 عاما على إنشائها، في أغسطس 2014، ألمح السيسي إلى وجود صراع بين الأجهزة الأمنية، وقال: مش معقول لما أطلب معلومة تيجيلي مختلفة من 4 أجهزة، أقعدوا نسقوا مع بعض”، بعد هذا التصريح بأيام نفذ السيسي عملية إحلال وتجديد لكل رؤوساء وقادة الأجهزة الأمنية، إلا أن تلك العملية لم تغير في فلسفة عمل تلك الأجهزة، بل بالعكس استمر التضارب والتناقض، ومضى القادة الجدد على ذات عقيدة أسلافهم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف