البديل
عاطف عبد الفتاح
متى تتَّحد المصران؟
سؤال يحزُّ في نفسي، ويأبى إلا أن أطرحه. وحسب المعلومات التي تواردت إليَّ بأنني أتمتع بالجنسية المصرية ومن أب وأم مصريين، فمن حقي أن أسأل: ألن تتحد المصران؟ أم أنه كان مجرد كلام يستخف بعقولنا، بأن «مصر أم الدنيا، وهتبقى أدِّ الدنيا»؟
ورغم «قرطة» التصريحات والشعارات «اللي بتطرِّي على القلب»، إلا أن الواقع يقول إن هناك دولتين: مصر، وتحيا مصر. الأولى في قعر البركان، والثانية في أعالي السماء، وتظل تتمدد المسافة بينهما حتى تتجاوز بعد المشرقين، مصر (الأولى) هي الشعب.. الناس.. البشر.. البني آدمين.. الذين سجلوا حتى الآن 92 مليون نسمة، يعيشون الآن تحت خط الضنك.. وتحيا مصر (الثانية) هي مجموعة تمثل «أولى الأمر منكم».. هم الصفوة من سادتنا وكبرائنا.. يملكون زمام «الأمور» يسوقوننا بهذا الزمام، ولا يألون جهدًا عن خنقنا وسحلنا وعصرنا؛ من أجل أن نقطر «فكة».. قطرات للبحر المالح الذي يحب الزيادة، وفي رواية الكمالة.
في هذه الدولة الثانية الحياة غارقة في رغد منقوع في بذخ، وتُغرِق الأولى في مستنقع الأزمات؛ لتكفِّر عن إسراف بذخها الذي لن يشبع.
وتبعًا لنظرية التطور والارتقاء للأخ دارون، أصبح عندنا جنسان: الأول المصري وهو الجنس العتيق الذي لم يحدث له ارتقاء منذ اكتشافه، والثاني التحيا مصري، وهو الجنس العتيد الذي يمثل خير أجناس الأرض.
وهو جنس على سموه روحه حلوة ونفسه طيبة، فهو لا يضيق صدره أبدًا بكل الكوارث المفزعة من أسلحة الدمار الشامل لكل مقومات الحياة والإنسان، كما أن عينيه من جمالهما تريان كل شيء جميلاً، مهما بلغ قبحه وفحشه، وأذنيه تسمعان تصريحات المسئولين طربًا لا يرقى إليه أعظم مغني الدنيا، وأكملوا أنتم باقي الحواس.
وهذا الجنس التحيا مصري قفَّاز فوق “الزمكان”، فهو يتطلع من الآن.. أقصد من السنة الماضية (بتوقيت العالم الكلاسيكي) لـ 2030 و2060، سابقًا بذلك كل أجناس الأرض بشكل أعجز علماء الكون عن فهم تركيبة دماغه ونفسيته الفلكية، خاصة بعد أن غير كثيرًا من المفاهيم والثوابت العلمية والتاريخية والجغرافية والفيزيائية وو.. أكملوا باقي العلوم والمعارف.
فمثلاً سد النهضة الإثيوبي سيحدث رخاء لمصر، وإلغاء الدعم هو وقوف بجانب، بل انتصار للطبقة المعدمة المعدومة، وارتفاع الدولار لثلاثة أضعاف ثمنه لحين نشر المقال هو إصلاح للاقتصاد، وو.. أكملوا أنتم…….
وأهم ما يميز الجنس التحيا مصري، والذي هو سبب ارتقائه وسموه، عزيمته التي تفتت الصخر، فمهما “تدحدرت” الدنيا و”تكعبرت” و”تكعورت”، لا يكفون عن التأييد المطلق، الذي تحول لعقيدة، كما أنه جنس بطبيعته فنان ومجدد حتى في مفهوم الفن، فالرقص مثلاً أبدع فيه أنواعًا وصنوفًا جديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر والحسرة الرقص الإعلامي، والرقص التصريحاتي، والرقص التشريعي، والرقص الشعبي الكادحي، وو.. أكملوا أنتم…
ورغم كل شيء لا يعبؤون بالجنس العتيق، فلا يفيضون عليهم من الماء أو مما رزقهم الله؛ لأنهم أوتوه على علم، خاصة بعد أهم ميزة أخرى فيهم؛ حيث إنهم كلهم أهم مزايا، وهي قبول الآخر، حتى إنهم لم يطبقوا عليهم الانتقاء اليوجيني الذي يطالب بإبادة الجنس البشري الـ “فرز تاني”؛ بوصفه عالة على البشرية، بل يعترفون بوجود أكثر من 90 مليونًا، ويطالبونهم بالتحمل، مؤكدين أننا لن نصل إلى التحمل إلا بالتحمل، ولا أمل في التحمل ما لم يكن هناك تحمل. متسائلين: كيف نتحمل بدون تحمل؟! خاصة أن الفترة الأخيرة التي شهدت بطولة الجمهورية في رفع الأسعار لم يُبدِ فيها الجنس العتيق تحملاً بالقدر الكافي، لكن بعض جهابذة الاقتصاد السياسي رأوا أن الجنس المتحمل نجح في التحمل؛ لذا قرروا أن يعمموا التجربة مكانيًّا وزمانيًّا ونوعيًّا، ويعمموا الجنس العصِيّ على الانقراض؛ حتى تعم فائدة التحمل.
كنا نتكلم عن ماذا؟ عن أسباب عدم اتحاد الدولتين؟ وهل تحتاج لسؤال؟ دولة الصفوة المتخمين بالخيرات، إزاء دولة متخمة بالكائنات المصرية والكوارث والعاهات والتحمل، هل من العدل أو من المنطق أن تتحدا؟
خاصة أن المادة الثانية من دستور الجنس التحيا مصري “مش هنمشي، هم يمشوا”، والتي تداولوها على أبواق الإعلام وصفحات التواصل بشروح، منها “اللي مش عاجبه البلد يسيبها”، و”على قلبنا زي العسل”.
والمفيد: حكم عقلك، لا ضميرك؛ لأن الضمير غائب ومستتر تقديره هو وهي وهما وهم وهن، جميع الضمائر إلا “نحن”، لأنه ضمير الكائنات المهددة بالانقراض، لا خير أجناس الأرض.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف