عبد الرحمن فهمى
ذكريات .. الصحف قريباً.. البقية في حياتكم!!
من الصعب جداً أن تكتب عموداً صحفياً كل يوم.. وهذا ما قاله زمان جداً منذ 64 عاماً طه حسين حينما قرر صلاح سالم أن يكون طه حسين أحد رؤساء التحرير في بداية صدور "الجمهورية".. قال طه حسين لصلاح سالم إنه سيكتب "احياناً".. عندما ينفعل بحكاية ما أو يقع حادث ما أو يقرأ خبراً يستحق التعليق عليه بالذم أو المدح أو هناك مجرد رأي يستحق النشر..!! وكان صلاح سالم يريد أن يربط الناس بعمود يومي من قلم طه حسين فيزيد توزيع "الجمهورية".. ولكن طه حسين أصر علي موقفه.. يكتب حينما يكون هناك ما يستحق الكتابة.
.. مرت هذه السنوات الطوال فاتضح أن الاثنين علي حق.. القراء يرتبطون بكاتب ما فيشتري القارئ جريدته المفضلة يومياً.. فهي المفضلة عن باقي الصحف بعمود أو عمودين علي الأكثر.. ولكن هوجة التعليقات والأعمدة الموجودة الآن نزلت بأهمية الأعمدة عموماً.
عندما دخل الراديو البيوت قالوا إن الناس ستستغني عن الصحف.. الناس ستعرف كل أخبار البلد وغير الأخبار من الراديو.. وداعاً للصحف.. ولكن اتضح أن الراديو لم يؤثر علي الصحف.. ولما ظهر "الخطير" صاحب الخبر والصورة معا التلفزيون قالوا: البقية في حياتكم.. الصحف ستغلق أبوابها واحدة وراء الآخري!!.. والذي حدث هو العكس زاد عدد الصحف والمجلات.. لماذا.. لأن الناس كانت تعشق كتابة بعض الكتاب والصحفيين ولا تنام إلا بعد أن تكون قد قرأت صحفها ومجلاتها المفضلة.. ثم الأحداث الفخمة والتطورات السياسية التي شهدها العالم في الستينيات - وخاصة مصر - زادت من توزيع الصحف.. لأن ما يمكن أن يقال في الصحف لا يمكن أن يقال عبر الأثير أو أمام الشاشة.. رغم الرقابة علي الصحف.
وهذا لا ينطبق علي مصر فقط.. ففي عدد كبير من دول العالم يصل توزيع الصحيفة أو المجلة إلي كذا مليون نسخة.. حسب تعداد السكان وانخفاض عدد الاميين واحياناً لا يوجد أمي واحد في عدد من البلاد.
الشيء الوحيد الذي بدأ يكسر أنف الصحف والمجلات هو ما ظهر من مخترعات التكنولوجيا الحديثة.. لماذا اشتري الجريدة وأنا أستطيع أن أقرأها وأشاهد صورها علي "النت"؟؟ لماذا أتعب وأظل دقائق أبحث عن عمود فلان في أي صفحة وأنا أمامي النت يُدخل المقال كامل بخط أكبر وأوضح بدلاً من حروف الجريدة التي أصبحت في حاجة لميكروسكوب!!
الخلاصة..
الذين يتمسكون بقراءة الصحف - علي رأي نجيب محفوظ - في محطة سيدي جابر أمامهم دقائق أو ساعات أو أيام ليصلوا إلي المحطة النهائية وقد أصبحوا قلة وربما ينقرضون قريباً.. شباب ما يسمونه النت والفيس بوك وغيرهما في ازدياد وعن قريب سيكونون هم وحدهم ما كنا نسميهم زمان "القراء".. ولله الأمر من قبل ومن بعد.