خلال الشهور الماضية قامت جموع الجماهير المصرية بتأليف ملحمة ومرثية اسمها «سايبين حبارة عايش ليه؟»، وكانت تلك الملحمة تُغنى على الربابة، فى الأماكن العامة والجلسات الخاصة وأمام الكاميرات التليفزيونية وعلى صفحات الجرائد، وذلك كلما وقع حادث إرهابى، وكأن استمرار حياة «حبارة» مرتبط بتواصل تلك العمليات.
الواقع، والمفاجأة، أن «عادل حبارة»، المدان بقتل جنود مصريين، هو إنسان يحمل الجنسية المصرية، وبالتالى فله الحقوق كافة وعليه الواجبات جميعها التى يقرها القانون المصرى، وبناء عليه فهو متمتع بحقوقه القانونية ومنها حقه المطلق والكامل فى استخدام أدواته الدفاعية من رد للمحكمة واستئناف ونقض وغيرها، وكل ذلك بما يكفله قانون العقوبات وليس قانون الغابة.
كون أن محاكمة «حبارة» قد استمرت لفترة زمنية طويلة فهذا قد يستلزم فتح نقاش جاد عن جودة وكفاءة نظام التقاضى المصرى، لكنه لا ينزع أبداً حق كل إنسان فى الحصول على محاكمة عادلة ونزيهة وطبيعية ولا تشوبها شائبة، وإطالة أمد المحاكمة ليست ذنب أى متهم بل مشكلة كل نظام، وعلينا ألا ننسى أن أى متهم هو برىء حتى تثبت إدانته الباتة والنهائية، بعدما يكون قد استنفد كل السبل القانونية المتاحة له للدفاع عن نفسه. حتى وإن اعترف المتهم، فهذا ليس مبرراً لاختزال الإجراءات واختصارها، لأنه قد يكون مجنوناً، أو قد يغير شهادته لاحقاً، أو ربما يكون قد اعترف تحت التهديد، أو اعترف على نفسه وهو غير مذنب لأى سبب من الأسباب، أو غيرها الكثير من الحالات، وعلينا كذلك أن نتذكر أن عقوبة الإعدام هى إجراء سالب للحياة، وبالتالى فإن اتفقنا على تطبيقه، لا بد ألا نختلف على حتمية التأكد من صحة الحكم؛ لأن الموت رحلة بلا تذكرة عودة. نحتاج إلى حلول حقيقية لتحسين كفاءة عملية التقاضى على معيار سرعة البت فى القضايا وإصدار الأحكام النهائية، وهذه الحلول لا تتضمن، بكل تأكيد، تفعيل «قانون الكيف» الذى ينادى به عموم الناس، أو تطبيق المحاكمات العسكرية، التى يطالب بها بعض أعضاء «النخبة» التى تحولت إلى «نكتة» سخيفة بفعل تشوهات ثقافية ومعرفية سمحت لكثيرين أن يُحسبوا على تلك الشريحة دون وجه حق أو وجه تفكير. إعدام المدعو «حبارة» ليس غاية فى حد ذاته، لكنه مجرد وسيلة بسيطة من وسائل الردع وإنفاذ القانون، لكن الحكم نفسه لن يمنع ظهوره مرة أخرى؛ لأنه لو مات «حبارة» فمرجعيته الدينية ما زالت موجودة بيننا تصنع المزيد من «الحبارات» التى هى مجرد عرَض لمرض معروف يُجند ضحايا الفكر الملوث لتظهر دمويته حين يصل السلاح لأيديهم، و«حبارة» ليس اسماً على مسمى، فهو لا يعطى المداد لقلم، بل هو نفسه القلم الذى يكتب به أمثاله بحروف من دم كلمة النهاية فى صفحة حرجة من كتاب الوطن.. حاربوا الإرهاب بسرعة، وليس الإرهابيين فحسب.