السيد العزاوى
في طريق الهدي النبوي بناء الإنسان وقيم التعامل
سيد الخلق ومعلم البشرية الأول ـ صلي الله عليه وسلم ـ سوف يظل قدوة في هداية البشر ونموذجاً فريداً في بناء الإنسان ومراعاة كل الجوانب النفسية التي تدفع في قلوب المتعاملين معه حتي من اختلفوا معه ووقفوا في طريقه وناصبوه العداء. سلوكيات وأخلاق قامت فوق النزعات اللإنسانية والمكائد التي تجاوزت كل الحدود والأعراف المتعارف عليها بين أبناء المجتمع العربي في ذلك الوقت. تكبراً وافتراءً واعتراضاً علي قسمة الله لرسوله الكريم من عطاء ومفاهيم تميز بها علي سائر البشر وقد تحدث القرآن الكريم بوضوح عن هذا التعالي في سورة الزخرف: "ولما جاءهم بالحق قالوا هذا سحر. وإنَّا به كافرون. وقالوا لولا أُنزل هذا القرآن علي رجل من القريتين عظيم. أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون" 30. 31. 32: الزخرف.
جاءت هذه الآيات رداً علي تطاولهم وافتراءاتهم والظاهر من هذه المكابرة والمعاندة أنهم كانوا يريدون أن تتنزل آيات هذا القرآن علي أي رجل كبير في أعين هؤلاء المشركين المتكبرين في مكة والطائف وقد أشار ابن كثير في تفسيره لهذه الآيات أن غير واحد من السلف ذكر أنهم أرادوا بذلك الوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود الثقفي إلي غير ذلك من الأسماء الواردة في الروايات التي جاءت في هذا المجال. وقد ردت الآيات بأفضل الأساليب والتعبير. بما يتناسب مع غرور هؤلاء وكبريائهم وتوضيح يؤكد أن الله ـ عز وجل ـ قد فاوت بين خلقه فيما أعطاهم من الأموال والأرزاق والعقول والمفاهيم التي تظهر الفارق بين إنسان وآخر وأن حكمة الله في هذا العطاء لا تخضع لمثل هؤلاء المعاندين لرسول الله محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ كفراً وحسداً وبغياً وضغائن بشرية.. إنها بالقطع نفوس مريضة امتلأت بالكبر والغطرسة. لكن الرسول الكريم لم يعر هؤلاء المتكبرين أي اهتمام وظل في طريقه يبلغ رسالة ربه للناس بالحكمة وأسلوب يتناسب مع العصر الذي يعيش فيه مع هؤلاء المتغطرسين راضياً بما قسمه الله معتزاً بصفة اليتيم التي أطلقت عليه حيث نشأ يتيماً ولذلك تجسد الحسد في قلوب هؤلاء المتكبرين ومن علي شاكلتهم عناداً ومكابرة وتعالياً وكأنهم أرادوا أن يتولوا هم القسمة بين الناس افتراء علي الله.
مضي الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ في طريق الهدي النبوي راضياً بما أفاء الله عليه من نعم وأخلاق كريمة وسمو في التعامل ممتثلاً لحكمة الله وتقديراً مفضلاً الآخرة علي زخارف الدنيا ومتاعها الزائل. ورحمة ربك خير مما يجمع أي من هؤلاء وأن ما ادخره الله للمتقين خاصة لا يشاركهم فيها أحد من البشر وقد رضي سيد الخلق ـ صلي الله عليه وسلم ـ بما قسمه الله من عطاء مادي ومعنوي ومفاهيم عقلية تميز بها علي سائر البشر وأخلاق أشاد بها رب العالمين واجمع عليها أبناء عصره المعاندين له والمتكبرين ورضي بقسوة الحياة وشدتها ومما تتناقله كتب السيرة والتراجم عن خشونة حياة الرسول وتحمله لمشاقها أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ رأي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ ينام علي رمال حصير قد بدت آثارها علي جنبه فانهمرت الدموع من عيني ابن الخطاب وقال يا رسول الله: هذا كسري وقيصر فيما هم فيه وأنت صفوة الله من خلقه. وفي هذه اللحظات التي كانت تتردد كلمات ابن الخطاب كان رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ متكئاً فجلس وقال: أو في شك أنت يا ابن الخطاب؟ ثم قال: "أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا".. وفي رواية "أما ترضي أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة" قمة السعادة في الرضا بما قسمه الله لرسوله الكريم. انها القناعة بما أفاء الله علي عبده محمد بن عبدالله وتلك الصفات هي التي اختص بها الرسول فالتف الناس من حوله وكانت قدوة ونموذجاً لسائر البشرية في كل زمان ومكان ولا غرو فهو رحمة الله للعالمين.
هذه التصرفات وتلك السلوكيات من رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ تعتبر نموذجاً لكل الدعاة الذين يقومون بمهمة الدعوة إلي الله بين الناس. عليهم أن يقتدوا بالرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ في مواجهة الناس بالحكمة والصبر والتحدي معهم بلغة العصر الذي يعيشون فيه وأن يكون تصرف رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ في يوم فتح مكة نموذجاً للدعاة في الصفح وقوة التحمل في مواجهة الناس خاصة المكابرين والمعاندين فقد كان الرسول في منتهي السماحة حين قال لأهل مكة وهو في موقع القوة: "ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا خيراً أخ كريم وابن أخ كريم" "إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد". وسوف تظل مسيرة الرسول الكريم نبعاً يغترف منه كل المصلحين. والدعاة "والله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم".