المصريون
ربيع عبد الرؤوف الزواوي
في رحاب قصة موسى والخضر عليهما السلام
قال لي صاحبي: بصراحة أنا باقرأ سورة الكهف كل يوم جمعة وحاسس إن قصة (موسى والخضر) وقصة (ذي القرنين) فيهم حاجات مش فاهمها... وبيقولوا إن فيهم فوايد كتيرة... إلى آخر ما قال. فقلت له: طيب... نبدأ اليوم بقصة موسى عليه السلام مع الخضر، وهي قصة مهمة وشائقة جاءت في 23 آية من سورة الكهف؛ من الآية 60 حتى الآية 82 ... فافتح معي مصحفك من عند الآية 60 من سورة الكهف، وسأتكلم بنفس ترتيب الآيات الكريمة: - حين أمر الله نبيه موسى عليه السلام بلقاء الخضر عليه السلام، استعد موسى عليه السلام لتلك الرحلة؛ فقال لخادمه يوشع بن نون: سأظل أسير حتى أصل إلى مكان عند ملتقى البحرين، وسأسير زمنا حتى ألقى العبد الصالح فأتعلم منه ما شاء الله لي. - وبالفعل سارا معا حتى وصلا ملتقى البحرين وكان معهما حوتا اتخذاه زادا لهما، فأحياه الله، وقفز الحوت في ماء البحر، متخذا طريقا في البحر مثل السرداب لا يلتئم الماء بعده. - ولما تعديا ذلك المكان قال موسى عليه السلام لخادمه: هات لنا طعام الغداء فقد تعبنا تعبا شديدا من هذا السفر. - فقال له الخادم: أرأيت ما حصل حين استرحنا عند الصخرة، فقد نسيت أن أذكر لك أمر الحوت، وما أنساني أن أذكر لك ذلك إلا الشيطان؛ فقد أحيا الله الحوت وقفز في ماء البحر متخذا له طريقا يدعو للتعجب. - فقال موسى لخادمه: ذلك ما كنا نريد، فهذه علامة مكان العبد الصالح الذي أريد أن ألقأه، فرجعا يتتبعان آثار أقدامهما؛ لئلا يضيعا عن الطريق، حتى انتهيا إلى مكان قفز الحوت. - وهناك في مكان قفز الحوت وجدا الخضر عليه السلام الذي أعطاه الله رحمة من عنده، وعلمه من عنده علما لا يطلع عليه الناس. - قال له موسى عليه السلام في تواضع وتلطف: هل تأذن لي أن أتبعك فتعلمني مما علمك الله من العلم الذي هو رشاد إلى الحق؟. - قال له الخضر عليه السلام: إنك لن تطيق الصبر على ما ستراه من علمي، لأنه لا يوافق ما لديك من علم. - وكيف تصبر على ما سترى من الأفعال التي لا تعلم وجه الصواب فيها؟ لأنك تحكم فيها بمبلغ علمك الذي تعلمه. - فقال له موسى عليه السلام: ستراني إن شاء الله صابرا على ما أرى منك من أفعال، وسألتزم بطاعتك ولا أعصي أوامرك أبدا. - فقال له الخضر عليه السلام: اتفقنا، واتبعني ولكن لا تسألني عن شيء مما ستشاهدني أقوم به، حتى أكون أنا البادئ بتبيين وجهه لك. - فلما اتفقا هذا الاتفاق انطلقا على ساحل البحر حتى لقيا سفينة، فركبا فيها، فقلع الخضر لوحا من ألواحها، فقال له موسى عليه السلام: أخرقت السفينة رجاء أن يغرق أهلها الذين حملونا؟ لقد أتيت أمرا محيرا يتعجب منه. - فقال له الخضر عليه السلام: ألم أقل: إنك لن تطيق معي صبرا على ما سترى مني؟ - فقال له موسى عليه السلام: لا تؤاخذني بسبب تركي لعهدك نسيانا، ولا تضيق علي وتتشدد معي في صحبتك. - وبعد نزولهما من السفينة يمشيان على الساحل سارا حتى أبصرا غلاما لم يبلغ الحلم يلعب مع غلمان، فقتله الخضر عليه السلام، فانزعج موسى عليه السلام وقال له: قتلت نفسا طاهرة لم تبلغ الحلم دونما ذنب، لقد أتيت أمرا منكرا. - فقال له الخضر عليه السلام: إني كنت قلت لك إنك يا موسى لن تستطيع الصبر على ما أفعل. - فقال موسى عليه السلام: سامحني مرة ثانية، فإن سألت عن شيء بعد هذه المرة ففارقني؛ فقد وصلت إلى الغاية التي تعذر فيها على ترك مصاحبتي وهي مخالفة أمرك ثلاث مرات. - فسارا حتى جاءا أهل قرية طلبا منهم طعاما فامتنعوا ولم يؤدوا حق الضيافة إليهما، فوجدا في هذه القرية حائطا مائلا قارب أن يسقط وينهدم، فأصلحه الخضر عليه السلام وسواه حتى استقام، فقال له موسى عليه السلام: لو شئت اتخاذ أجر على إصلاح هذا الجدار لاتخذته؛ لحاجتنا إليه بعد امتناعهم من ضيافتنا. - فقال له الخضر عليه السلام: الآن وجب الفراق بيني وبينك؛ فإن اعتراضك على عدم أخذي أجرا على إقامة الجدار هو محل الفراق بيني وبينك، وسأخبرك بتفسير ما لم تستطع أن تصبر عليه مما شاهدتني أفعل. - أما السفينة التي أنكرت علي قلع لوح منها؛ فهي لضعفاء يعملون عليها في البحر ولا يستطيعون الدفع عنها، فأردت أن تكون معيبة بقلع هذا اللوح؛ حتى لا يستولي عليها ملك كان أمامهم يأخذ السفن السليمة غصبا ويترك المعيبة. - وأما الغلام الذي قتلته وأنكرت علي قتله؛ فكان والداه مؤمنين، وكان هو في علم الله كافر، فخفت إن بلغ أن يحملهما على الكفر بالله. - فأردنا أن يعوضهما الله منه ولدا آخر خيرا منه دينا وصلاحا وطهارة من الذنوب، وأقرب برا ورحمة بوالديه منه. - وأما الحائط الذي قمت بإصلاحه وأنكرت علي عدم اتخاذ أجر على ذلك؛ فكان لصغيرين في المدينة التي جئناها، وقد مات ابوهما، وكان تحت هذا الحائط مال مدفون لهما، وكان أبو هذين الغلامين رجلا صالحا، فأراد ربك يا موسى أن يبلغا سن الرشد ويكبرا ويخرجا مالهما المدفون من تحته، إذ لو سقط هذا الحائط لانكشف مالهما المدفون، وتعرض للضياع، وقد كان هذا التدبير رحمة من ربك بهما، وما فعلت كل ذلك باجتهادي.. وهذا تفسير ما لم تستطع الصبر عليه في رحلتك السريعة معي. وما إن وصلت لذلك حتى قال لي صاحبي: يا سلام فهمت فهمت... طيب وأين الفوائد الكثيرة والدروس والأحكام التي نستفيدها من هذه القصة العجيبة والجميلة؟ فقلت له: من هذه الفوائد: - استحباب اتخاذ الرفيق والزاد في السفر، وجواز اتخاذ الخادم طلبا للراحة. - المعونة تكون على حسب قيام العبد بالمأمور به، فإن الموافق لأمر الله يعان ما لا يعان غيره من الناس. - النسيان لا يقتضي المؤاخذة - أدب الخادم مع مخدومه، وتركه الكلام والانزواء بعيدا عندما ينشغل مخدومه مع أهل الفضل... - التأدب مع المعلم ومخاطبته بألطف الكلام. - جواز تعلم الفاضل من المفضول. - إضافة العلم وغيره من الفضائل إلى الله سبحانه وتعالى. - العلم النافع هو ما يرشد إلى الخير. - فضيلة الصبر وأهميته في طلب العلم. - وجوب التأني والتثبت وعدم المبادرة إلى الحكم على الشيء حتى يعرف ما المراد منه. - تعليق الأمور المستقبلية بمشيئة الله جل وعلا. - الأمور تجري أحكامها على ظاهرها. - يدفع الشر الكبير بارتكاب الشر الصغير. - جواز عمل الإنسان في مال غيره للمصلحة وإزالة المفسدة ولو بغير إذن. - فضيلة خدمة الصالحين. - ينبغي للصاحب أن لا يفارق صاحبه ويترك صحبته إلا إذا أعتبه وأعذر منه. - الأدب مع الله وعدم نسبة الشر إليه. - الله يحفظ العبد الصالح في نفسه وفي ذريته بعد موته. قال صاحبي: يا سلام... خلاص نأجل قصة ذي القرنين في المرة القادمة.. قلت له: إن شاء الله.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف