محمود سلطان
إحنا اللي دهنا الهوا دوكو!
يبدو لي أنَّ ثمة مَن يعتقد داخل النظام الحالي، بأنه قادرٌ على "تأديب" العرب بالإعلام.. كما كان يفعل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.. وإذا كان هذا الاعتقاد حاضرًا في العقل الرسمي المصري الحالي، فنحن ـ والحال كذلك ـ في كارثة قومية حقيقية. كان يوجد في الستينيات فراغٌ كاملٌ في العالم العربي، لا مال ولا تعليم ولا ثقافة ولا بنية أساسية.. في المقابل ورث عبد الناصر عن العهد الملكي بنية أساسية فكرية وثقافية تضاهي تقريبًا في قوة تأثيرها ووهجها وقدرتها على إبهار ما حولها، تجربة أوروبا في عصور النهضة. عبد الناصر كان تحت يديه نخبة غير مسبوقة من المفكرين وأساطين الثقافة والفن والتجديد والإصلاح.. مثلاً: توفيق الحكيم، نجيب محفوظ، طه حسين، المازني، الرافعي، هيكل، لويس عوض، محمود شاكر "أبو فهر"، أمين الريحاني، أحمد أمين، يوسف إدريس، إحسان عبد القدوس، محمد خلف.. كامل الشناوي، الأبنودي، أحمد فؤاد نجم، مرسي جميل عزيز، حسين السيد، فتحي قورة، أم كلثوم، نجاة، شادية، فايزة أحمد، فايدة كامل، صباح، وردة، عبد الحليم، فريد الأطرش، محمد رشدي، محمد قنديل، محمد عبد المطلب، عبد الوهاب، بليغ حمدي.. قوى ثقافية ضاربة موهوبة وجبارة، امتدت لتملأ الفراغ الذي كان موجودًا على خريطة العالم العربي، من المحيط إلى الخليج.. ولم تكن تفرض هيبتها بقلة الأدب والصوت العالي، والفشخرة الكذابة، وبطريقة الطبل الأجوف.. ولكنها كانت مواهب حقيقية، ومراكز إبهار لا يقاوم، يفرض هيبته واحترامه على الجميع. هذه الترسانة رفيعة المستوى مهنيًّا وحرفيًّا.. كانت تحت يد عبد الناصر، وظّفها في توحيد العالم العربي، ورفع معنوياته بعد هزيمة يونيو، وفي كل أنشطة الجهود الحربية.. وأيضًا في "تأديب" مناوئيه من قادة عرب. الآن.. قل لي مَن هم تحت يد النظام الحالي، من إعلاميين ومثقفين وفنانين وغيرهم؟!.. لا يمكن أن تقارن عمالقة الستينيات بـ"سفاسف" هزمت مجتمعة أمام فضائية الجزيرة. المشكلة أن النظام الحالي، يعاند في مسلمات جديدة، منها، أن ما بين يديه من قوى ناعمة غير مؤهلة وغير مثقفة وليس لها علاقة لا بالإعلام ولا بالصحافة.. بل إني أعرف أسماءً "كبيرة" لها برامج على فضائيات السلطة، وتبوأت مناصب رفيعة في صحف خاصة، لا يجيد كتابة مقال من خمسة أسطر، ويكلف صحفيين "غلابة" بكتابة مقالاته وليس له فيها إلا اسمه فقط.. وعندما يكتب هؤلاء"الكبار" تويتات على تويتر، تفطس من الضحك.. على فرط الهبل والركاكة، وتتأكد تمامًا على سبيل القطع، بأن آخرين يكتبون لهم مقالاتهم بالوكالة عنهم. أضف إلى ذلك، أن دولاً عربية كثيرة، خاصة خليجية، ارتفع فيها مستوى التعليم، بشكل يفوق نظيره في مصر، وغالبية النخب السياسية والإعلامية والصحفية فيها، تلقت تعليمًا راقيًا في أرقى جامعات أوروبا والولايات المتحدة.. ولذا فإن أكبر فضائيات عربية وأكثرها حرفيًّا ومهنيًّا، أسسها عرب من الخليج.. وفشلت مصر حتى الآن في تأسيس لو قناة واحدة تضاهي: الجزيرة أو العربية أو الحدث أو سكاي نيوز.. رغم أن في مصر قنوات "قد الرز" وينفق عليها المليارات.. ومع ذلك تبدو في صورة متخلفة رثة تثير السخرية والشفقة وعديمة التأثير. وتابعوا الحملة على المملكة العربية السعودية الآن.. لتتأكدوا أن إعلام الستينيات عاد.. ولكن مع فارق السماء والأرض.. ويتلقى مرمانا يوميًا عشرات الأهداف بسهولة من اللاعبين الخلايجة.. ومع ذلك ما زلنا نهتف وباستعلاء: إحنا اللي دهنا الهوا دوكو!