المساء
مؤمن الهباء
تعديل القوانين ليس حلاً
بعد الإعلان عن تعديل قانون الإجراءات الجنائية والانتهاء منه في أسرع وقت لمكافحة الإرهاب.. ما رأيك في ذلك؟!
هذا السؤال طرحته "أخبار اليوم" علي الدكتور محمود كبيش عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة في عدد السبت الماضي فكانت إجابته كالتالي:
المطالبات التي تنادي بضرورة إجراء تعديل للقوانين لمجابهة الإرهاب تعني أن الناس تنظر إلي العقوبة والمحاكمة وسرعة الإنجاز كأنها هي الوسيلة الأساسية لمكافحة الإرهاب.. وأعتقد أن الأمر مختلف تماماً عن هذا المنظور.. لأن الإرهابي عندما يقدم علي فعله لا يضع في فكره المحاكمة أو العقوبة.. حيث إنه يراهن علي أن يفلت من يد العدالة أو الأمن.. أو يراهن علي دخوله الجنة.
كما أري ــ والكلام مازال للدكتور كبيش ــ أن أسوأ تشريع هو ما يتم تحت ضغط الانفعال.. أو تحت تأثير الصدمة.. ليس فقط في قانون الإجراءات الجنائية لكن في غير ذلك من القوانين التي تحتاج إلي نظرة.. خصوصاً أنها علي حالها منذ سنوات طويلة.. لذا فالعامل الفعال لمواجهة الإرهاب هو الإجراءات المنعية.. والحقيقة أن رجال الأمن بذلوا جهداً في سرعة الكشف عن المتسبب في حادث الكنيسة ومازلنا نحتاج إلي تطوير الأدوات الأمنية أو الفنية.. أو تطوير القدرات البشرية.. ويجب ألا يغضب ذلك أحداً.
ولتوضيح الصورة أكثر يقول الدكتور كبيش إن قانون الإجراءات الجنائية يجب أن يكون تأكيداً علي ضمانات للمتهمين.. فإذا كان قانون العقوبات هو قانون "الأشقياء" فإن قانون الإجراءات الجنائية هو قانون "الشرفاء".. أي أنه قانون الضمانات التي تضمن أن من يحكم عليه يكون هو مرتكب الجريمة فعلاً.. ولابد أن نعي أنه ليس كل من يقبض عليه لابد من الحكم عليه.. هذه نظرة في غاية الخطورة علي المجتمع.. إنما قانون الإجراءات الجنائية وضمانات المحاكمة التي تتم وقد تطول بعض الشيء الهدف منها التفرقة بين المجرم وغيره.. من خلال الضمانات حتي لا ندين أشخاصاً ليس لهم دور في الوقائع الإرهابية.. وهذا الأمر خطورته علي المجتمع أكبر من خطورة الإرهاب نفسه.. فإذا كنا نريد تعديلاً في قانون الإجراءات الجنائية فعلينا زيادة الضمانات وتطبيقها فعلياً.
انتهي كلام الدكتور كبيش.
والحقيقة أن هذه النقطة الخطيرة التي يثيرها هي في الواقع ما تفصل بين الدولة والعصابة الإرهابية.. العصابة تبحث عن الانتقام والثأر والعقاب الجماعي العشوائي المخرب.. بينما الدولة تبحث عن العدالة والقصاص.. وتحري الدقة وتوفير أقصي درجات الأمان والضمانات للمشتبه بهم والمتهمين.. حتي لا يدان إلا المجرم الحقيقي.. وحتي يثق كل متهم يقع في يد العدالة أنه سينال محاكمة حقيقية يتمتع فيها بكل الضمانات.
وفي مسألة ضمانات العدالة تتنافس الدول اليوم في إبراز ما لديها من ضمانات لحقوق المتهمين حتي إذا ما أدينوا في المحاكمة كانت هذه الإدانة هي عنوان العدل.. ولا جدال فيها.
وقد خرجت أصوات عاقلة عديدة علي مدي الأيام القليلة الماضية تؤكد نفس المعني الذي طرحه د.كبيش بأن أي تعديلات في قانون الإجراءات الجنائية لن يقضي علي الحوادث الإرهابية المتكررة.. ولن يولد إلا مزيداً من الإخلال بالضمانات التي توفر العدالة للتقاضي.. وهذا مطعن في عدالة المحاكمات.. وسبيل إلي التشكيك والنقد.
وفي تقديري المتواضع.. وحرصاً علي نظافة ثوب العدالة.. أري أن الوقت غير مناسب لتعديل القانون.. لأن ذلك لو حدث تحت تأثير وضغط الأحداث الإرهابية فسوف يأتي كرد فعل غير متوازن.. والأفضل أن يتم النظر في هذه التعديلات في ظل ظروف أكثر هدوءاً.. وبمشاركة العديد من أصحاب الرأي والمدارس.. فلا يكون معبراً عن صوت واحد.. ويتحقق له التوازن والاستقرار.
القانون ليس قرآناً.. والدستور ليس قرآناً.. ومن حقنا أن نعدل ونغير فيهما بما يحقق مصالحنا.. لكن السؤال يظل قائماً: كيف يكون التعديل وفي أي اتجاه؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف