جمال سلطان
عما جرى في مجلس الأمن ومؤشراته
كانت ليلة أمس من أشد الليالي بؤسا علينا نحن المصريين ، عندما صوت مجلس الأمن الدولي بالموافقة على قرار يحظر بناء المستوطنات في "إسرائيل" ، رغم أن القرار ونتيجة التصويت عليه حدث مبهج وتاريخي ، وكان هذا القرار قد أعدته مصر ـ بالأساس ـ بالتشاور مع المجموعة العربية ، ثم تقدمت به مصر بحكم أنها عضو حاليا في المجلس ، قبل أن يجري رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتانياهو والرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب اتصالات بالقيادة المصرية انتهت إلى توجه مصر لسحب القرار من مجلس الأمن ومنع التصويت عليه بعد أن وضح أن إدارة أوباما لن تعترض عليه في المجلس ، وكانت صدمة كبيرة للعالمين العربي والإسلامي ، لأن مصر تحديدا هي الأكثر تضحية من أجل قضية فلسطين وهي التي بذلت من دماء أبنائها وقوت شعبها من أجل التصدي للعدوان على مدار أربعة حروب كبرى ، فهل يصل بها الحال في نهاية المطاف إلى خذلان الشعب الفلسطيني بهذا الشكل . الألم لم يتوقف عند هذا الحد ، بل زاد عندما هددت أربع دول ـ ماليزيا والسنغال وفنزويلا ونيوزيلاندا ـ بالتقدم بطلب للتصويت على هذا القرار إن أصرت مصر على سحبه ، وأصرت مصر على سحبه ، وقامت الدول الأربع غير العربية !! بتنفيذ وعيدها وتقديم القرار من جديد وطلبت التصويت عليه بصورة عاجلة ، وتم الأمر ليلة أمس وحظي القرار ـ الذي سحبته مصر ـ بإجماع أعضاء مجلس الأمن ، حتى أمريكا ، رفضت استخدام حق النقض واكتفت بالامتناع عن التصويت لتمرير القرار ، وعقب الإعلان عن نتيجة التصويت ضجت القاعة بالتصفيق الحاد والطويل ، في مؤشر على غضب عالمي من السلوك الإسرائيلي ، كما كان ـ ضمنيا ـ غضب من سلوك مصر عندما سحبت القرار استجابة لطلب "إسرائيل" وترامب . أول من طلب الكلمة في مجلس الأمن عقب التصويت كان ممثل مصر في المجلس ، وقد استغرق كلمته بالكامل تقريبا في الدفاع عن نفسه وعن مصر وتبرئتها من خذلان الشعب الفلسطيني أو نفي تواطؤها مع إسرائيل لمنع صدور قرار دولي يحظر بناء المستوطنات ، هذه هي المرة الأولى في تاريخ القضية الفلسطينية التي تكون مصر في هذا الموقف الدفاعي المعكوس ، كانت مصر دائما منحازة للحق الفلسطيني ، اليوم يضطر ممثلها إلى اعتصار الكلام والوقت لتبرئة الوطن من هذه الفضيحة ، فهو يستشعر "البطحة" على رأسه وهو يبرر سحب القرار من المجلس لمنع التصويت عليه . ما حدث في مجلس الأمن نذير شؤم للمستقبل ، وأخشى أن يكون مؤشرا على السلوك السياسي والديبلوماسي المصري في المرحلة المقبلة ، خاصة في ظل حكم دونالد ترامب ، والذي يتغزل فيه الإعلام الرسمي المصري الآن كما لو كان المنقذ لمصر والسيسي ، وقد احتفلوا بفوزه كما لو كان المرشح المصري ، فهل ستكون تلك هي البوصلة الجاذبة للسلوك السياسي المصري في المرحلة المقبلة ، هل يمكن أن تستجيب مصر أو حتى تصمت على تهديدات شخص أرعن يهدد بالاعتراف بالقدس عاصمة للدولة اليهودية أيا كان ما يترتب على ذلك القرار من ردود أفعال قد تعصف بالمنطقة كلها . لقد اعترف السيسي مؤخرا بأن شعبيته تراجعت في مصر ، وأظن أن التقارير التي تصله من الأجهزة المعنية لا يمكنها أن تزور الواقع مهما اعتسفت في التفسير أو التبرير ، وتراجع الشعبية هو خصم من الشرعية ، وقلق الشرعية ما زال يقض مضاجع الكثيرين في مصر حتى الآن ، وأسوأ ما في هذا القلق أنه يمثل عامل ضغط على القيادة المصرية ، التي تحتاج إلى تعويض التآكل الداخلي بالدعم الخارجي ، وهو طريق مآلاته بالغة السوء ، وأخشى أن يكون ما حدث في مجلس الأمن أمس مؤشرا على هذا المآل .