الوفد
علاء عريبى
أشكال العدم
عكفت بعد تخرجى من قسم الفلسفة على دراسة الموت في أدب وفكر الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، كنت أتابع أعماله بشغف خلال سنوات الكلية، وكونت قراءات لبعض أعماله لم تقدم بعد، خاصة مسرحية الذباب، وأيامها بدأت أبحث عن الموت فى تراثنا الفكرى والعربى، وكيفية تناوله فى الديانات الكتابية، وكنت أخلط أيامها بين الموت كحالة فى ذاتها وبين ما بعد وأثناء الموت، وبعد فترة من البحث والتأمل تعددت الأسئلة وتنوعت، وفتحت لى الديانات بابا للموت لا قدرة لإنسان على غلقه، فجميع الحالات تفاصيلها فى الغيب، حالة طلوع الروح تعيشها وتراها وتحسها وتسمعها وحدك، وحالة ما بعد الموت قد تكون مدركا وقد تكون غائبا، لا أحد يمتلك تصور أو بعض حكايات من المشهد.
سارتر لم يواجه الموت ولم يناقشه ولم يفكر فيه، كان فقط يرفعه كلافتة أو جرس لكى يعيش حياته بحرية، سارتر لم يفكر فى حالة الموت، ولا فى الحالة التى سينتقل إليها بعد الموت، فقد كان يؤمن بالعدم، والعدم أو اللاشئ موجود ضمن الحياة أو الوجود، هو حسب الفيلسوف الألمانى هيجل هو مجرد فراغ، مسميات بدون تعين أو تصور، فأنت تذكره لكنه مجرد خواء لا تراه ولا تلمسه، فهو حسب جان بول سارتر السلب، وهو موجود فى الوجود وليس خارجا أو منفصلا عنه، العدم موجود فى الوجود.
المصريون القدماء ومن بعدهم المسلمون فكروا وناقشوا وتخيلوا العدم، هو ليس موجودا كفراغ أو سلب فى الوجود، بل هو وجود منفصل عن الوجود الذى نعيش فيه وموازى له، أهم مميزاته أنه سرمدى، خالد يعيش فيه الإنسان إلى ما لا نهاية، العدم أو الوجود الأخر الفرعونى والإسلامي ينقسم إلى قسمين، الأول يدخله الإنسان الطيب المؤمن الخير، والقسم الثانى يعاقب فيه الإنسان الشرير العاصى، الأول عبارة عن جنات مليئة بما لا يتخيله بشر، فيها يستطيع الإنسان الطيب أن يعيش فى هيئة يرضاها، يستمتع بكل ما حرم منه فى الوجود الذى كان يحيا فيه، والقسم الثانى نار كبيرة مستعرة بها أشجار وسلاسل وقيود وزبانية وصراخ وألم وندم.
الوجود الهيجلى والسارترى يمكن ان تتحدث فقط عنه كسلب او غياب أو فراغ، لكن عند المصريين والمسلمين يمكن ان تتخيله، وعليك ان تعمل فى الوجود الذى أنت موجود فيه لكى تنتقل وتستمتع به، عملك هو طريقك إلى العدم أو الوجود غير الموجود فى قلب الوجود، قد تعيش مستمتعا فيه أو مهانا ومتألما.
البعض يرى أن العدم لدى المصريين والمسلمين هو فترة ما بين الوجود الموجود والوجود غير الموجود، هو الفترة التى ينتقل فيها الإنسان من الوجود، مرحلة الموت، الفترة التى ينتظر فيها الإنسان الانتقال إلى الوجود السرمدي، وللأسف تخيل البعض هذه الفترة أو المرحلة تخيلا سوداويا، جعلوا الناس تكره الموت ومواجهته لقسوته وعنفه والفزع والألم الذي يتضمنه.
يضرب خلال انتزاع روحه، ويضرب لتقصيره ولجلجته عند السؤال، ويعذب فى قبره أو فى البرزخ لعدم استتاره من البول أو مشيه بالنميمة، وليس لأنه قتل أو سرق أو زنا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف