الأهرام
حسن ابو طالب
دواعش تونس لا يتوبون
لا تعدم الظاهرة الارهابية انتاج الكثير من الظواهر الفرعية التى تؤدى الى جذب مزيد من الأعضاء. ومنذ ستة أشهر تقريبا وفى مدينة نيس قام أحدهم بدهس تجمع من الفرنسيين والسائحين بشاحنة كبيرة فأوقع 85 قتيلا واكثر من 110 مصابين، واعلنت داعش عن تبنيها العملية. الأمر الذى عبرآنذاك عن أن سبل القتل والترويع التى تستخدمها التنظيمات الإرهابية لم تعد قاصرة على القتل أو الذبح أو الإعدام أو الحرق أمام الجموع لإشاعة الخوف، بل امتدت الى دهس الجموع على حين غرة. كذلك فإن المنفذ لم يكن معروفا عنه انتماؤه السابق لجماعة متطرفة تستهدف الغرب تماما كما تستهدف المجتمعات والدول العربية. بل ما كان معروفا عنه هو مجاراته للحياة الماجنة ولم يصل من قبل ولم تظهر عليه آية انتماءات مريبة.ومن هنا كانت المفاجأة بأن بعض المنتمين من الجيل الجديد لتنظيم داعش هم المهمشون الذين لا علاقة لهم فكريا أو أيديولوجيا بالمنظومة الفقهية والتربوية للتنظيم الارهابى، وغالبا ما يكونون من اصحاب السوابق الإجرامية.

حالة الارهاب فى نيس تكررت مرة أخرى فى برلين منذ أسبوع تقريبا، وتدل المعلومات حول الفاعل أنه تونسى وله سجل إجرامى، وأن له شركاء من بينهم أحد أبناء شقيقه. وهنا يبدو أن قيادة داعش استقرت على استقطاب عناصر شابة أيا كان درجة التزامها بالتعاليم الدينية، إذ أن المطلوب مجرد شخص يتم إقناعه بأن قيامه بالعمل الإرهابى ضد أناس لا يعرفهم ولا يعرفونه كفيل بأن يرفع عنه كل فسق وعصيان ارتكبه من قبل، وهكذا اصبح لدينا ما يمكن وصفه بالارهابى العاصى الباحث عن عفو إلهى مصطنع، فإذا به يرتكب أكبر الكبائر وهى قتل نفس أو نفوس بشرية بدون وجه حق، وبدون ذرة من التردد. مثل هؤلاء الذين يعيشون فى الغرب ويقبلون القيام بهذه الأعمال الإرهابية يُفسد تماما المقولات التى سادت من قبيل أن المجتمعات الليبرالية التى تتمسك بالآليات الديمقراطية لا تنتج إرهابيين، فإذا بها تفرز إرهابيين عاصين وفاسقين بالمعنى السلوكى الدينى. هذان النموذجان يقتربان من فكرة المرتزقة الذين يقبلون بأعمال لا تمثل لهم أى قيمة ولكنهم يقبلون عليها بصدر رحب من أجل المال والمغامرة وتوهم أنهم يقيمون مجتمع الفضيلة. والى جانب المرتزقة هناك إرهابيون فقدوا أى حس انسانى بما فى ذلك الفطرة الطبيعية للأبوة والأمومة، ومنهم هذا الإرهابى فى سوريا الذى دفع بابنتيه 8 أعوام و9 أعوام لتقوما بتفجير نفسيهما فى أحد أقسام الشرطة فى دمشق.

أما الشريحة الأكبر فهى التى انخرطت فى أعمال داعش الإرهابية، وهم المسلحون الذين حاربوا بشراسة من أجل بناء كيان وهمى يحمل اسم دولة الخلافة. ومن هؤلاء عدد كبير من الشباب التونسى، وتشير التقديرات الصادرة عن الامم المتحدة فى العام 2015 إلىأن عدد الشباب التونسى الذين يشاركون فى أعمال «داعش» يتراوح بين أربعة آلاف وخمسة الاف وستمائة فرد. وهناك تقديرات أخرى ترى أن العدد لا يقل عن 8 آلاف مقاتل. وحسب المعطيات الرسمية التونسية لوزارة الداخلية فإن عدد الشباب التونسى الذى ذهب الى بؤر التوتر فى سوريا والعراق واليمن هم فى حدود 3600 ارهابى، منهم 800 فرد معروف عنهم كل شئ لدى أجهزة الوزارة حسب ما اعلنه وزير الداخلية نفسه بعد يومين من حادث برلين الارهابى الذى نفذه انيس العامرى. وتفصح هذه الأعداد عما يمكن وصفه بالوضع الخاص للشباب التونسى المشارك فى الجهاد الداعشى.

ولا شك أن عودة هؤلاء بكثافة الى تونس سوف يترتب عليه تهديدات جدية لحالة الاستقرار النسبى الذى تعيشه البلاد. والسؤال الذى يرهق الجميع هل سيعود هؤلاء ولديهم نوايا سلمية تجاه مجتمعهم وتجاه الشعب؟ أو بمعنى آخر، هل ستؤدى التوبة أو الاستتابة إلى تغيير سلوكهم الفعلى تجاه المجتمع التونسى ام العكس؟. يذكر هنا أن الرئيس التونسى الباجه قائد السبسى قال ان عودة هؤلاء الى بلدهم تونس شئ يقره الدستور ولكن عليهم أن يدفعوا ثمن ما فعلوه. فى حين يدافع التابعون للنهضة عن حق الجميع فى العودة ويكفى لهم إعلان توبتهم. ويبدو من قبيل المستحيل أن مجرد إعلان التوبة من قبل هؤلاء يُعد سبيلا للتأكد من عودتهم إلى بلدهم كمواطنين صالحين. فعودتهم ترتبط بفشل وهزيمة مشروعى داعش وجبهة النصرة فى حلب، ولا يملك أحد ضمانات بأن هذه التوبة ستكون نصوحة وستجعل منهم افرادا صالحين. فى الوقت نفسه هناك الدستور التونسى الذى يفرض على الحكومة أن تتخذ من الاجراءات الامنية و العسكرية إن لزم الامر لحماية المجتمع وحفظ أمنه وصون مؤسساته.

لقد عانت تونس من الإفراج عن أعداد كبيرة من السلفيين بعد سقوط نظام بن على فى ديسمبر 2010، دون مراجعة مواقفهم القانونية والسياسية معا. وهم الذين سافروا الى بؤر التوتر العربية، وحصلوا على خبرات واسعة فى التخريب والقتل والحرق وتعذيب الناس إضافة الى خبرات عسكرية ميدانية، ولا يعقل انهم سوف يتخلصون بسهولة من عقيدة الجهادية السلفية. والمرجح أن بعضا من هؤلاء عاد أو سيعود الى تونس وفى يقينه أن المعركة التى تمت خسارتها فى حلب، يمكن تعويضها فى تونس او ليبيا او مصر، وعندها سيدرك أنصار استتابة الإرهابيين أنهم مجرد غطاء لهم للعودة وإعادة تشكيل بيئة المجتمع التونسى قسرا، وربما إعلان إمارة إسلامية فى تونس. قد يبدو احتمالا سوداويا غير أنه قابل للحدوث إن لم تؤخذ اقصى درجات الحذر من مرتزقة باعوا دينهم وانسانيتهم ولا آمان لهم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف