الجمهورية
عبد الرحمن فهمى
هذا هو د. السيد أبوالنجا
الدكتور السيد أبوالنجا الذي كتبت أمس أنه أنشأ شركة "ركتا" لصناعة الورق من أجل طبع الصحف وغيرها.. رجل له قصة طويلة.. مع الأسف قد أكون نسيت أجزاء مهمة منها لطول المسافة بعد وفاته.. ولا أعتقد أن الأجيال الحالية تعرف شيئا عنه.. ولكن بقدر الإمكان أستطيع أن ألخص شخصيته في عبارة واحدة "خير من أعان كل صحف مصر الكبري لكي تقف علي رجلها وتستمر في الصدور".. كان مدرسا جامعيا في كلية التجارة جامعة الإسكندرية.. لم يصل بعد لأستاذ مساعد حينما لفت أنظار الجميع لمادة الإدارة خاصة بعد صدور كتابه الشهير "الإدارة فن وموهبة وشخصية".. كأنه يصف نفسه.. الشخصية كما سأروي لك الآن شخصية لا تتكرر كثيرا.. ثم الموهبة والفن.. رجل غير تقليدي يكره الروتين.. لا أذكر من نصح الصحفي الكبير محمود أبوالفتح صاحب جريدة "المصري" بإلحاقه مديرا للجريدة.. اشترط أبوالنجا أن يظل في الجامعة بجوار "المصري" ووافق أبوالفتح علي تغيبه يومين كل أسبوع ثم ما لبث أن استقال من الجامعة بعد أن عاش في جو سادة البلد.
أذكر من أهم ما فكر فيه هو نقل صفحات الوفيات من "الأهرام" إلي "المصري".. فالمصري أكثر توزيعا بكثير.. ثم أعلن بأن الجريدة ستنشر الوفيات مجانا.. وبدأ بالفعل ظهور الوفيات في "المصري".. عمود ثم عمودان وهكذا.. كان يكتب في يومياته "ما لم يُنشر نعيه في المصري يكون خبر وفاته إشاعة سخيفة"!!! إلي أن تم مصادرة "المصري" فعادت صفحة الوفيات كاملة لأصحابها القدامي.
***
ذات يوم.. تغيب السيد أبوالنجا عن الجريدة.. وكانت حاجة غريب جدا منه.. وبالسؤال عليه في كل مكان لم يتم العثور عليه ثم وصل عصرا وسئل: "أين أنت؟؟".. خطرت فكرة علي باله لا تخطر علي بال أحد.
مبني جريدة "المصري" في شارع قصر العيني قريب من ميدان الإسماعيلية "التحرير الآن" وكان يسير الترام في شارع قصر العيني ففكر الدكتور أبوالنجا في عمل محطة لهذا الترام أمام باب الجريدة بالضبط.. ليه يا دكتور؟؟.. لأن الكمساري سيظل طول اليوم ينادي "محطة المصري.. محطة المصري"!!! خير دعاية للجريدة!!.. من أجل تنفيذ هذه الفكرة ظل يتنقل الدكتور أبوالنجا من مكتب الوزير إلي رئيس النقل العام إلي المهندسين.. وتظهر مشكلة فجأة.. من سيتحمل تكاليف هذه المحطة.. رصيف وأعمدة نور ومظلة ودكة خشب.. و.. و.. كان رده السريع: الجريدة ستتحمل كل التكاليف وسأرسل لكم غدا خطابات من الجريدة بذلك.. قالوا له: كانت الجريدة في غني عن هذه الخسائر.. فقال أبوالنجا: بل سنكسب!!.. كيف؟؟.. هذا الرصيف الجديد خارج اتفاقية الإعلانات وسنأخذ امتياز إعلان هذا الرصيف ونملأه إعلانات بل سنضع اسم "المصري" عليه أيضا!!! عقلية غير عادية.
***
كان دائما يرفض إغراءات هيكل المتتالية لكي يعمل في الأهرام لذا ثاني يوم غلق "المصري" كان مصطفي أمين منذ الصباح الباكر جدا أمام حجرة نوم سيد أبوالنجا لكي يصحبه إلي جريدة "الأخبار" ويوقع معه عقدا!!! كانت جريدة "الأخبار" مديونة لشوشتها فهي تقريبا بلا إدارة.. فقد كان مدير الإدارة لا علاقة له بالإدارة قط!!! كان صيدليا قفل الأجزخانة مع فتح جريدة "الأخبار" وعمل مع أصدق أصدقائه التوأمين مصطفي وعلي أمين.. وهو لا يمتاز بأي شيء سوي خفة دم غير عادية مع استهتار بكل شيء.. اسمه قاسم فرحات لذا كان أول شيء عمله السيد أبوالنجا أن وضع ساعة وصول وانصراف ليوقع فيها كل العاملين.. وكان يهبط من الدور الثامن إلي صالة الاستعلامات عند مدخل الدار وهي صالة واسعة جدا وكان أبوالنجا يتمشي رايح جاي في هذه الصالة الواسعة منذ الساعة التاسعة إلا خمس دقائق.. الموظف الذي يأتي متأخرا ولو خمس دقائق لا يكلمه ولا يقترب منه.. فقط ينظر أبوالنجا في ساعته الخاصة بطريقة واضحة أو قل طريقة فجة.. ليختشي الموظف.. أول مرة يعتبرها أبوالنجا "كارت أصفر" كانت الرياضة في هذه الأيام أهم شيء في البلد بعد الكارت الثاني كارت أحمر.. فصل من الوظيفة.. بعد فصل موظفين اثنين انتظم العمل تماما.. بعد فترة.. تأكد أبوالنجا أن الموظفين لم يلتحقا بأي عمل في أي جهة فقام بتعيينهما مرة أخري.. قالوا له: لماذا هذه يا مجنون.. قال أبوالنجا: إن هذين الموظفين سيكونان خير من يعمل في الإدارة كلها.. هذا من الناحية الإنسانية البحتة.. أيضا كنت أخشي من قضية أو حتي شكوي في وزارة العمل سيكسبانها قطعا لأننا لا نملك دليلاً.. لذا كسبت الموظفين للأبد ونجت دار الأخبار من قضية أو شكوي فيها غرامة كبيرة بلا داعي.. رجل غير عادي.. هذا جزء يسير جدا من حياته.. باقي قصته مع الأهرام ثم دار المعارف تحتاج لكتاب لا مقال!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف