من يتابع القضايا المنظورة أمام المحاكم، سواء كانت قضايا مخدرات أو قتل أو سرقة أو عنف أو غيرها، يلفت انتباهه بشدة عند قيام هيئة المحكمة بفض أحراز القضية، قيام هيئة المحكمة بالإعلان عن جميع محتويات الحرز، وتجرى هذه العملية بشكل علنى فى الجلسة على مسمع ومرأى النيابة العامة، وهيئة الدفاع، والشهود، وأقارب المتهمين، ووسائل الإعلام، ويقوم أحد القضاة بتسجيل ما يتم الإعلان عنه فى كشف يرفق بعد ذلك فى ملف القضية.
بعض هذه القضايا عند فض أحرازها، يتم العثور على أشياء غير مرتبطة بالجريمة، ولا تعد قرينة فى القضية، مثل الرسائل، أفلام جنسية، صورة إباحية، وغيرها مما لا يفيد القضية، ومع هذا يعلن القاضى عنها ويقوم بوصفها، ويتم تسجيلها فى كشف فض الحرز مثلها مثل غيرها.
فى القضايا التى يتم العثور فى حرزها على رسائل غرامية، أو أفلام جنسية، أو صور إباحية .. عند الإعلان عنها تضج القاعة بالضحك والسخرية من المتهم، ويتلقفها الصحفيون وتضعها الصحف فى عناوين ومانشيتات رئيسية، ويا حبذا لو كانت فى حرز قضية أحد الإرهابيين أو المتهمين فى قضايا العنف، تفرد الفضائيات مساحات كبيرة فى برامجها للحديث عن الأفلام والصور، وتنشر الصحف نص الرسائل الغرامية.
وبالطبع هذه الجرسة التى قامت بها وسائل الإعلام تؤثر بالسلب على أسرة المتهم، وتتم معايرة الأسرة والجانى بهذه الأفلام والصور لفترة طويلة، وقد تعرف أو تلقب القضية باسم الصور أو الأفلام.
السؤال الذى يشغلنى فى هذا السياق منذ سنوات: هل من حق القاضى أن يعلن عن هذه الأغراض بشكل علنى فى الجلسة؟، لماذا لا يتم الفصل بين الأغراض التى تعد قرينة فى القضية، وبين الأغراض الشخصية الخاصة بالمتهم؟، وهل من حق وسائل الإعلام نشر أغراض المتهم الشخصية والسخرية منه؟.
لا أخفى عليك أن هذه القضية شائكة، ومعظمنا يخلط فيها بين ما يعد من خصوصيات المتهم، وما يعد قرينة فى الجريمة المنظورة، والمفترض أن يعلن ويوصف القاضى فقط الأغراض التى لها صلة بالجريمة، والتى قد تعد قرينة ضد المتهم، اما أغراضه الخاصة، الصور، الأفلام، الرسائل، اليوميات، الخواطر، فهذه الأشياء لا تفيد القضية فى شيء، كما أنها معنية بحياة المتهم الخاصة، والقانون يعاقب المتهم على الجريمة التى اقترفها، لكن للأسف المتهم فى محاكمنا يعاقب بأكثر من عقوبة على جريمة بعينها، منها العقوبة التى نص عليها القانون، ومنها جريمة الكشف عن أغراضه الخاصة على الملأ، ومنها قيام وسائل الإعلام بتجريسه بشكل مسف.
أعتقد أن وزير العدل والمجلس الأعلى للقضاء، والسادة القضاة مطالبون بأن يميزوا بين المضبوطات، ويعلنوا فقط خلال الجلسة عن المضبوطات التى تتصل بالجريمة وتعد قرينة على المتهم، فليس من حق المحكمة أن تكشف عن أغراضه الشخصية التى ليست لها علاقة بالجريمة، ونظن كذلك أن ما تقوم به الفضائيات والصحف من تسليط الضوء على الأغراض الشخصية والسخرية منها يعد جريمة يعاقب عليها القانون، فالمتهم حر يشاهد ويقرأ ويكتب ويقتنى ما يحلو له، وليس من حق وسائل الإعلام أن تتناول حياته الخاصة، لذا نطالب وزير العدل بإعادة النظر فى هذه القضايا وتجريم الكشف عنها والسخرية منها، وعلينا أن نعمل بمقولة المسيح الشهيرة: «ما لقيصر لقيصر وما لله لله»، فما يخص الجريمة للجريمة وما يخص المتهم فهو خاص بالمتهم.