أبو الفتوح قلقيلة
عندما يتحكم فينا السيد «بعضشي»
(ملحوظة.. هذا المقال لا يشير لشخصية بعينها وإنما هو مجرد نقل من عالم المسرح العالمى والمصرى وربما من الواقع بتصرف.. فكل التحية والتبجيل مقدما لكل من يرى نفسه بعضشى).
يصر (بعضشى) على تنفيذ ما يحلو له فقط استنادًا إلى سطوته وقوته وافترائه وبلطجته على أهالي حارة (حلال عليك) المستضعفين، والقانعين بأن من يتولى أمرهم مجرد (بعض شيء) ولكنه جبار.. بلطجي، سكير، زعيم عصابة، يدعى الثقافة والمعرفة والإلمام بكل ما يحيط به في عالمه الخاص به.. تنتهي المسرحية دون أن نعرف اسمه كاملا فهو مجرد حسب الله أو حسب أي شىء ولكن تبقى هويته مجهولة.. مجرد بعض شيء!
تحديدًا هو مجرد بعض قليل من شيء حقير لكنـه يخال نفسه كل شىء، ولعل الكاتب المصري الراحل بهجت قمر قد نجح بامتياز في ترجمة اسمه من الإنجليزيـة (too little)، كما ورد في مسرحيـة الكاتب الإنجليزى الشهير برنارد شو ( سيدتى الجميلة) والتي مصرها بامتياز وإبداع يحسب له في منتصف الستينيات.
كان بعضشى يسمع دعاء الناس عليه ثم يترجم هذا الدعاء إلى مديح يرن صداه في أذنه هو فقط.. يزهو بأنه سكير ومع ذلك فهو رئيس جمعية منع المُسكرات أو كما ينطقها هو المسكرات بفتح السين! يدعى الشرف ثم ُيسرح ابنته الوحيدة للسرقة والعبث في جيوب خلق الله.. كل هذا وبعضشى يعتقد أنه كائن مثالي له العديد من الإنجازات والبطولات التي ينكرها الحاقدون والأشرار.
يعتقد أن حقه مهضوم بعض الشىء ولكنه واثق في النصر الذي سيطرق بابه يومًا ما، لا بسبب عمله المفترض وإخلاصه الحتمي لما يقوم به ولكن بسبب الحظ.. (إديني شوية حظ ولا شغلة ولا شغلانة) هذا كل ما يشغل عقله الأجوف ونفسه التافهة المتهافتة.. لكنه يرى نفسه زعيما للحارة وسيدا مطاعا عند أهلها!
وبلاؤنا في مصر هو وجود المئات من السيد "بعضشى" في مناصب مهمة ومواقع المسئولية التي لا يستحقونها بكل تأكيد، فهذا أكبر مسئول لإقليم يتهم أحد المواطنين الغلابة بأنه (إخوان) والعياذ بالله، وذلك لأن هذا المواطن تجرأ وسأله أو اشتكى لسيادته يومًا من ارتفاع ثمن سلعة حياته لا يستطيع الاستغناء عنها.. هكذا لا يرى هذا المسئول سوى إنجازاته وطلته البهية وطلعته التي حق لها أن تطعم وتشبع أهالي مدينته الصغيرة أو حتى محافظته الكبيرة.. وربما لو نال بعض الحظ الذي يتمناه هو وكل "بعضشى" لأصبح يومًا أكبر من كونه مجرد محافظ على كف عفريت يطاح به خارج دائرة السلطة في لحظة أو أخرى !
ثم نجد "بعضشى" آخر، لا نعرف اسمه تحديدًا، يبشر الفلاحين والمستهلكيــن بارتفاع (تحريك) أسعار الأسمدة قليلا، بمقدار 50% فقط لا غير، فالغلاء صار إنجازًا والإفقار صار عبقرية ولوذعية مباركة سماوية مقدسة عند السادة، البعاضشه" في كل مكان.. ربما ينتظر منا السيد "بعضشى" الأسمدة أن ندعوا له بموفور الصحة والعافية لأنه يسهم في تجويعنا أكثر بعد كارثة إغراق الجنيه أمام كل عملات العالم المتقدم منه والمتخلف..
ربما اشتكى له بعض المواطنين من التخمة التي يعانون منها بسبب كثرة الأكل (الأرديحى) الخالى من اللحم، فأراد هو بكل عظمته ونباهته وإبداعته "البعضشية" أن يهبنا بعض من الراحة المعدية والمعوية والإخراجية، فاستكثر علينا الخضار الذي نشتريه بطلوع الروح! شكرًا لك يا عمنا وعلى رأي عم ( للو ) بائع المخلل في المسرحية: ربنا يورينا فيك يوم، فيرد "بعضشي" عليه قائلا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا عم لفت !
تلك هي منظومة "بعضشى" الذي لا يرى سوى عالمه الضبابى ولا يسمع سوى كل جميل في حقه مهما كانت الحقيقة مناقضة لذلك وبذيئة وعارية وقميئة.. "بعضشي" لا يشغل باله بمن يحيا بعيدًا عن عالمه حتى ولو كان هؤلاء بالملايين أو هم الملايين أنفسهم من خلق الله الذين يتحكم في حياتهم بقراراته الحمقاء النزقة..
المهم أنه يركب سيارته الفارهة والتي يسبقها حرسه الخاص والتي تعطل حركة المرور على الرعاع من خارج دائرته المقدسة.. لا يكترث "بعضشي" بأسعار أي شيء طالما أنه يقبض من الوسية دون حساب ويشرع لنفسه ولأتباعه قوانين تنظمها لوائح من صنع صبيانه، تسهل له الحصول على كل شىء وليس بعض شىء ولكن دون حساب ولا حتى عتاب.. المهم أن الويسكى الذي يطفحه بخير وأن أسعاره لم تمسها الجمارك لأن الدولة تراعى مزاج الغلابة.. عاشت عبقرية "بعضشى" وختامًا.. حكمتك يا رب.. بصوت "بعضشى" طبعًا !