المصريون
أمجد أبو العلا
سؤال مشروع لباسم يوسف
طرح الإعلامي باسم يوسف على صفحته على موقع التواصل الإجتماعي " فيس بوك " سؤالا أثار جدلا واسعا وتسبب له فى كم كبير من السب والاستهزاء واللعنات والدعوات عليه ، بجانب بعض المحاولات القليلة من الإجابة على السؤال . كتب متسائلا بنوع من السخرية قائلا : " طب لما حد يلاقي اللي بيمثل الاسلام الصحيح يقولنا عشان نعزمه على شاي و لا قهوة او شوت تيكيلا ؟ " . وهو سؤال مشروع لو خلا من التهكم، وبما أن التهكم هو السمة الرئيسية والواضحة له فيمكننا حمل هذا السؤال على الجدية ، وأيا ما كان الذي يريده باسم دعونا نطرح السؤال ونحاول الإجابة عليه ، وسوف تتضمن الإجابة عليه ستة محاور . المحور الاول : ماذا تعني بالاسلام الصحيح ؟ يستتبع الإجابة على هذا السؤال أن يقوم السائل بتعريفنا ما هو الاسلام الصحيح الذي يعنيه حتى نتمكن من الإجابة على سؤاله وفقا لوجهة نظره ، فرؤية كل فرد من المسلمين للاسلام كدولة وطبيعتها - من المؤكد أن باسم يقصد النموذج السياسي فالاسلام كدين متفق بين المسلمين علي أركانه وشعائره وفرائضه - تتوقف علي النموذج الذي يريد أن يعيش فيه المسلم فهناك من يريد أن يعيش فى دولة يحكمها العدل والحرية وهناك من يريد أن يحيا فى وطن تسوده حياة العبادة والبعد عن الترف والملذات ونوع آخر يريدها حياة جهادية ، كل حسب المنظومة الفكرية التى يعتنقها ويمثلها ، وهناك من يرى أن الاسلام هو العلمانية وعليه فإن النموذج العلماني هو النموذج الصحيح للإسلام وهناك من يراه اشتراكي وهناك من يراه رأسمالي .... إلخ . وربما كان باسم يوسف يريد أن يجرنا إلى هذه المنطقة من الإجابة حتى يقول أنه لا شكل محدد للاسلام الصحيح وهو بذلك يظن انه يضرب الاسلاميين فى مقتل وقد يجد البعض حرجا فعلا حينما يقال له أى الاسلام تريد أهو اسلام ايران ام افغانستان أم السعودية او السودان ام داعش أم الصومال .... إلخ ؟ . المحور الثاني : من هو الإسلام الصحيح ؟ من عقيدة المسلمين " أهل السنة والجماعة " أن الإيمان يزيد ونقص ، فهو يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي ، فالمسلم يقترب ويبعد عن روح الاسلام بحسب ايمانه وتقواه وعمله الصالح ، وانه لا حد لذلك فقد قال تعالى : "ويزيد الله الذين اهتدوا هدى " وقال " فزادهم ايمانا " والأيات فى ذلك كثيرة ، ولم يبلغ درجة الكمال إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يزعم أحد من المسلمين والحديث هنا عن أهل السنة أن العصمة لأحد إلا لرسول الله وعليه فإن الاسلام الصحيح هو ممثل فى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أرشد هو إلي اتباع سنتهم ومنهجهم وهم الخلفاء الراشدون المهديون من بعده وهم خمسة " أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن بن علي " رضي الله عنهم جميعا وما عدا ذلك فإنه عمل وجهد إنساني بحت يؤخذ منه ويترك ويختلف معهم فى كل شئ طالما أن لك مرجعا ومستندا فيما تفعل من كتاب الله وسنته وفى ذلك متسع كبير . كما أن الأمة فى مجملها تمثل الاسلام الصحيح فهي لا تجتمع على ضلالة ولن ولم تجتمع على فساد أو ظلم . المحور الثالث : لمن توجه السؤال . هل قصد السائل إثارة الزوبعة بسؤاله أم إنه أراد الإجابة حقا ؟، وهل الفيس بوك مكان معتمد للإجابة الصحيحة على سؤال كهذا ؟ ، وبالأحرى هل يقوم السائل بالاجابة على كل من جاوبه على سؤاله وتناقش معهم فى ردهم حتى يصل إلى إجابة واضحة ومحددة ؟ ، أم أنه قد تركهم اهمالا أو تكبرا أو انشغالا ؟، ألم يكن من الاولى فى ذلك إن أراد إجابة واضحة بالتوجه بسؤاله إلى من يثق فى علمهم وفكرهم وهم كثر فى أمتنا بشرقها وغربها ، أم أنّ الطرح كان للجدل ليس إلا . المشكلة الحقيقية أن البعض يريد أن يلقي بالشبهة هنا وهناك ويريد من علماء المسلمين ومفكريهم ومثقفيهم أن ينبروا له وتنطلق ألسنتهم وأقلامهم بالرد عليه بالحجة والبرهان حتى يقتنع هو وإلا فإن كلامه صحيح وصواب ، ولا يريد او يكسل عن الذهاب إلى العلماء أو مهاتفتهم للاستفسار منهم عما أشكل عليه ، أو قراءة كتاب يوضح له ما أبهم وأشكل عليه ، وكأن الدين أمر تافه وهامشي لا يستحق من المرء منا عناء البحث والسؤال . المحور الرابع : هل هناك من يمثل الإسلام الصحيح . نأتى الآن إلى الإجابة عن السؤال ، هل هناك نموذجا سياسيا يمثل الإسلام الصحيح أو يقترب منه حقا ؟ ، والإجابة هنا تأتى وفق لقناعتى وأفكاري الخاصة وهى أن الإسلام قد وضع مجموعة من القيم والضوابط تُشكل جوهر الدولة ، أما الشكل فيمكن لها ان تتشكل بما يترآى لجموع الامة وحسب ما يستقر في يقينها وثقافتها أنه الأصلح والاوفق فكل دولة مسلمة قوية و ديمقراطية ويحيا فيها الجميع دون خوف على أمنهم وحياتهم وتحارب الفساد ويهنأ المواطن فيها بالكفاية من الدخل المادي الذي يوفر له حياة كريمة هى نموذج للإسلام الصحيح ، كما يجب أن نشير إلى أن الحركات الإسلامية لم تمكن ولو للحظة واحدة من اقامة دولة حتى يمكنك الحكم على نموذجها الخاص ، كما أن السائل قد شارك فى هدم نموذج لتلك الحركات ومع ذلك عاش آمنا فى بيته ومعافا فى جسده ولم تضار فى قوت يومه أو سنته ، كما أن داعش والقاعدة وامثالهما أول من رفضهم وانتقدهم هم الاسلاميون أنفسهم وأول من يرفض حكمهم ويراه غير مطابق للشرع هم الإسلاميون أنفسهم فلا مزايدة عليهم فى ذلك . وبالمقابل فيمكنك أن تقول لي من يمثل فى هذا العالم ما يدعيه من مبادئ بصورة صحيحة من مسيحية أو علمانية أوشيوعية أواشتراكية أورأسمالية ، وأين كانت مبادئهم تلك من العنصرية وقتل الملايين وحرية ابادة المسلمين والسكوت على ذلك فى كل مكان، ومساعدة الاستبداد فى كل انحاء العالم... فهذا العالم ملئ بالمتناقضات والصراعات . المحور الخامس : ولكن .... ؟ هناك مشكلة رئيسة لباسم يوسف مع كلمة ولكن ... ، وهو يتحدث دائما عن حديثه عن التجرد للمبادئ ويتهم الإسلاميين دائما بأنهم إذا عبروا عن رأيهم تجاه قضية معينة أتبعوها بكلمة " ولكن " فهم بذلك ينسفون رأيهم وفقا لرأيه . والحق إن مثل هذا الكلام مناف تماما للمنطق ، فكلمة " لكن " تظهر الحق وتنقيه وتجليه فالتفكير الأحادي فقط هو الذي لا يعرف كلمة "ولكن " .... ، وأن التفكير المنطقى والعقلي هو من يطرحها دائما ... ، فإذا قلت أن كل الإعلاميين مشاركين فى الانقلاب ورقصوا على جثث الضحايا فى مصر فهل أكون اكثر صدقا وعدلا وقتها او عندما أقول .. "ولكن " باسم يوسف انتقد العسكر بعدها ورفض هيمنته واستبداده ، هل من الحكمة أن تساوي بين حكومة ظالمة باطشة تكفر معارضيها لتتمكن من قتلهم واعتقالهم بعد ذلك وبين مظلوم مغدور يكفر تلك الحكومة التى قتلت أبيه أو أخيه أما أن اللوم الأكبر على من كان السبب فى هذا الوبال والإشكال وهو الظلم الواقع عليه ، قتل السفراء امر مستنكر فى الاسلام وقد بين ذلك العلماء ، ولكن ألا يستدعى ذلك أن نقول أنّ سبب قتله جاء ردا على قتل خمسة وثلاثين الف سوري قتلتهم روسيا وأنه لايمكن بأي حال أو منطق أن يتساوي مقتل شخص بمقتل خمسة وثلاثين ألف شخص . هل من الحكمة أن ينسي الإسلاميون وقوفك ضد الفساد والظلم ، ومشاركتهم في ثورة يناير لأجل أنك تنتقدهم ، أم أنّ كلمة "ولكن " هنا تحل هذه المعضلة . إن كلمة "لكن" تفتح باب المشاركة والمناصحة وتفتح بابا للحوار وتفتح بابا لتنبيه الظالم أن ظلمه السابق قد سبب له مثل هذه المشكلة والظلم أيضا ، ولكن هذه نقولها للجميع وربما للاسلاميين قبل غيرهم . المحور السادس : من الأولى بتوجيه الحديث إليهم ؟ أخيرا هناك سؤال يفرض نفسه وهو من الأولى بتوجيه هذا السؤال إليهم ، هل هم الإسلاميون المطاردون والمعتقلون والموعودون بأعناق المشانق والذين لا يملكون من أمرهم شيئا ، أم أنّ الاولى هم من يدعون المدنية والحرية والديمقراطية وإذ بهم يلجاون إلى العسكر ويؤيدون أبشع صور الاستبداد، ويرقصون على جثث الشهداء ، ويؤيدون بيع أراضيهم ، ويشاركون اكبر عمليات المسخ والتلوين ، أم هم الحكومات المستبدة العسكرية التى تدعى الوطنية وتحتكرها وتفيض منها على من تشاء وتنزعها ممن تشاء .... إلخ ممن يرتقون رقاب العباد حاليا والأوجب هو تخليص المواطنين من شرورهم .

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف